السبت 1447/02/22هـ (16-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » سلطنة عُمان » مرئي » المعالم التاريخية » أنظمة الأفلاج العمانية تروي تاريخ الاستدامة في الصحراء

أنظمة الأفلاج العمانية تروي تاريخ الاستدامة في الصحراء

تعكس أنظمة الأفلاج العمانية نموذجًا فريدًا لإدارة المياه في البيئات القاحلة، إذ واصلت هذه النظم أداء دورها الحيوي في حياة المجتمعات الزراعية منذ آلاف السنين وحتى اليوم، وتُعد مثالًا نادرًا على الاستخدام المستدام للمياه عبر العصور، فقد حافظت على فعاليتها دون الحاجة إلى أدوات حديثة، معتمدة فقط على الجاذبية الطبيعية لتوصيل المياه من المصادر الجوفية أو الينابيع إلى الحقول والمنازل، مما يبرز عبقرية الإنسان العماني في التكيّف مع ظروفه البيئية الصعبة.

تشكّل الممتلكات المدرجة ضمن أنظمة الأفلاج العمانية خمس وحدات أساسية هي: فلج الجيلة، فلج مياسر، فلج داريس، فلج المالكي، وفلج ختمين، وتقع جميعها في شمال سلطنة عمان، وتحديدًا في محيط الجبل الأخضر وسلسلة جبال الحجر الشرقي، حيث لا تزال هذه الأنظمة تروي أكثر من ثلاثة آلاف مستوطنة ومزرعة، وتوفر ما يقارب نصف المياه المستخدمة حاليًا في عمان، على الرغم من التغيرات المناخية وتراجع منسوب المياه الجوفية.

صُمّمت هذه الأنظمة بتنوع هيدرولوجي يعكس ثلاثة أنواع رئيسية وفقًا لمصادر المياه: العيني المعتمد على العيون الطبيعية، والداودي الذي يجمع المياه الجوفية العميقة، والغالي الذي يعتمد على المياه السطحية الموسمية، وتُوزّع المياه على أساس تقاسم الوقت بين سكان القرية، وفق نظام إدارة جماعي دقيق يراقب من خلال الساعة الشمسية، كما يُخصص جزء من المياه والأراضي للصيانة الذاتية للأفلاج، ما يضمن استمرار عملها بكفاءة.

أفلاج" عُمان للري.. تراث يتمنع على السياحة | ثقافة | الجزيرة نت

يمتاز كل فلج من هذه الأفلاج الخمسة بخصائص فريدة، إذ يحتفظ فلج داريس بأكبر تنوع عمراني وثقافي، في حين يبرز فلج المالكي بأنماط معمارية لا توجد في غيره، بينما يتميز فلج مياسر بأفضل نماذج الإدارة التقليدية المحفوظة، أما فلج الجيلة وفلج ختمين فهما الأكثر تكاملًا من حيث السلامة والتماسك الجغرافي، وتجمع كل هذه المواقع بين الجمال الطبيعي والتنوع الثقافي والهندسي، حيث تنتشر القلاع، وأبراج المراقبة، والمنازل التقليدية، في تناغم مع الأراضي الزراعية وأدوات الري العتيقة.

تخضع هذه الممتلكات لحماية قانونية شاملة بموجب مجموعة من المراسيم السلطانية، أبرزها المرسوم رقم 39/2017 الذي ينظم استخدام الأفلاج ويحافظ على بنيتها المادية، وموقعها، وخصائصها الثقافية والبيئية، وقد تم أيضًا إنشاء قسم متخصص لإدارة هذه المواقع في وزارة التراث والثقافة، مع اعتماد خطة إدارة تفصيلية تشمل المسح الطبوغرافي وإنشاء مراكز زوار وتعزيز الحرف التقليدية، مما يعكس التزام السلطنة بالحفاظ على هذا الإرث المائي الفريد.

تمثّل أنظمة الأفلاج في عمان تراثًا حيًا يعكس توازنًا نادرًا بين الإنسان وبيئته، فهي لم تكن مجرد وسيلة للري فحسب، بل كانت سببًا مباشرًا لقيام المستوطنات، واستمرار النشاط الزراعي، وتطوير بنية عمرانية متكاملة على مدى قرون، في بيئة قاسية وقليلة الأمطار، ووسط تحديات طبيعية وإنسانية مستمرة، ما يجعل منها نموذجًا عالميًا في الاستدامة المجتمعية والهندسية.

المضدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار