الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » مضايف الأهوار رمز ثقافي يعكس هوية جنوب العراق

مضايف الأهوار رمز ثقافي يعكس هوية جنوب العراق

يُشكّل المضيف أحد أبرز الرموز الثقافية والاجتماعية في منطقة الأهوار بجنوب العراق، حيث يُبنى بالكامل من القصب المستخرج من بيئة الأهوار نفسها، ويُعرف أيضًا باسم بيت القصب أو بيت الأهوار، ويُستخدم منذ قرون كمكان رئيسي لعقد الاجتماعات الاجتماعية، واستقبال الضيوف، وتسوية الخلافات بين أبناء القبائل، ويُعد شاهداً حيًا على قيم الكرم والترابط الجماعي التي تميز أبناء الجنوب العراقي، ويحتل المضيف مكانة جوهرية في الذاكرة الجمعية لأبناء المنطقة.

المضايف السومرية” طراز معماري فريد في جنوب العراق – المنصة

يمثل المضيف أكثر من مجرد بناء تقليدي، فهو فضاء جامع تُمارس فيه طقوس اجتماعية متوارثة، كما يُستخدم في نقل المعارف الشعبية والقيم والأعراف من جيل إلى آخر، إذ يجتمع فيه الشيوخ والشباب للمناقشة والتعليم، ويشارك الجميع في المناسبات المختلفة، سواء كانت مناسبات دينية أو وطنية أو خاصة، مما يجعله مؤسسة أهلية غير رسمية تنظم الحياة الاجتماعية وتعزز الهوية الثقافية.

يتكوّن المضيف من القصب والبردي، وهما مادتان طبيعيتان تنموان بكثرة في بيئة الأهوار، وتُبنى الهياكل من خلال حِرفيين محليين يمتلكون خبرة متراكمة في التعامل مع هذه المواد، ويبدأ البناء بتهيئة الأرض وحفرها لغرز الأعمدة، ثم يُقام الهيكل ويُغطى بالبواري، ويُترك المضيف بدون أبواب، في دلالة مباشرة على الكرم والانفتاح واستقبال الزائرين في أي وقت، ويُعد التصميم بحد ذاته جزءًا من الرسالة الاجتماعية والثقافية التي ينقلها هذا البناء.

اعترفت منظمة اليونسكو بأهمية المضيف كعنصر من عناصر التراث الثقافي غير المادي، فأدرجته ضمن قائمتها التمثيلية، مما يعكس الاعتراف الدولي بالدور الذي يؤديه في الحفاظ على ثقافة الأهوار، وقد دفع هذا الاعتراف بالسلطات العراقية وعدد من الجهات المحلية إلى دعم الجهود الرامية إلى حماية المضايف، من خلال توثيق طرق بنائها، وتشجيع الأجيال الجديدة على تعلم تقنياتها، ورفع الوعي المجتمعي بأهميتها بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الهوية العراقية.

964 عربي | لأن الله فرد.. تبني البصرة مضايف القصب بأعمدة فردية وترسلها إلى الإمارات (صور)

تتطلب حماية المضيف تنسيقًا حقيقيًا بين السكان المحليين والمنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث، كما أن دعم الحرفيين التقليديين وتمويل المشاريع التعليمية والتوعوية من شأنه أن يساهم في استمرارية هذه البنية الثقافية، لا باعتبارها مجرد بناء، بل لأنها وعاء حي ينقل تقاليد وقيم وتاريخ مجتمع بأكمله، ومن دونها يفقد الجنوب العراقي أحد أعمدته الثقافية التي شكّلت ذاكرته وميّزت شخصيته.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار