تأسست مدينة تيمقاد في الجزائر خلال القرن الأول الميلادي بأمر من الإمبراطور الروماني تراجان، واتخذت موقعا استراتيجيا على سفوح الأوراس، واعتُمد في بنائها نموذج التخطيط المعماري الروماني القائم على تقاطع شارعين رئيسيين بشكل عمودي لتقسيم المدينة إلى مربعات متساوية.
وقد شكّل هذا النمط العمراني مثالا فريدا حافظ على دقته رغم مرور قرون من التآكل والإهمال، ما جعل تيمقاد إحدى المدن القليلة في العالم التي ما تزال تحتفظ بهيكلها الهندسي الأصلي.
تضم المدينة العديد من المعالم الرومانية التي ما تزال ماثلة للعيان، ويُعد قوس تراجان من أبرزها، وقد شُيد عند مدخل المدينة ليكون بوابة رمزية للسلطة، ويليه مسرح واسع يتسع لآلاف الزوار، وقد استخدم في عروض فنية وثقافية خلال الفترات الرومانية.
كما تضم المدينة منتدى كبيرا كان بمثابة الساحة المركزية التي تقام فيها الاجتماعات العامة، إضافة إلى حمامات عمومية متعددة ومكتبة يرجح أنها كانت تحتوي على آلاف المخطوطات، ويدل تنوع هذه المنشآت على حياة مدنية نشطة كان يحكمها القانون الروماني وتخضع لنظام إداري متقدم نسبيا.
شهدت المدينة مراحل متتالية من التدهور بعد الغزو الوندالي والبيزنطي، ثم انتهى وجودها تماما بعد الفتح الإسلامي، حيث طُمرت أطلالها تحت الرمال، إلى أن بدأت أعمال التنقيب في نهاية القرن التاسع عشر، والتي كشفت عن مدينة متكاملة في تخطيطها العمراني وبنيتها الهندسية، وقد تم تسجيلها كموقع تراث عالمي لدى اليونسكو عام 1982، اعترافا بقيمتها التاريخية والثقافية، ولكونها تقدم صورة دقيقة عن الحياة في مستعمرات روما بشمال إفريقيا.
يُنظم في المدينة سنويا مهرجان تيمقاد الدولي، ويُعد من أبرز الفعاليات الثقافية والسياحية في الجزائر، حيث يجذب فنانين وزوارا من داخل البلاد وخارجها، إلا أن هذا النشاط أدى في بعض الأحيان إلى أضرار عرضية للموقع الأثري بسبب سوء التنظيم أو الاكتظاظ.
وتسعى السلطات منذ سنوات إلى تقنين هذه الفعاليات عبر إجراءات لحماية البنية الأثرية ومنع أي تدخل غير مدروس قد يؤثر على أصالة الموقع.
يوفر متحف تيمقاد التابع للموقع تجربة إضافية للزائرين، حيث يعرض قطعا أثرية استُخرجت من المدينة، من بينها تماثيل حجرية ونقوش وأدوات استخدام يومي، وتُعرض بشكل يُبرز السياق التاريخي للمدينة، وقد ساهم هذا المتحف في تعزيز التوعية بأهمية الحفاظ على تيمقاد كواحدة من أهم المدن الأثرية في شمال إفريقيا.
المصدر: اليونسكو
