انطلق فن الفجري في البحرين من رحم الحياة البحرية، حيث مارس صيادو اللؤلؤ هذا اللون الغنائي الجماعي في فترات الاستراحة على الشواطئ، واستمر حضوره في الذاكرة الثقافية للمجتمع البحريني حتى أصبح أحد رموز الهوية الوطنية.
وتمكن هذا الفن من العبور من الممارسة الشعبية إلى الاعتراف الدولي حين أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2021، وهو ما شكّل دفعة معنوية لحمايته وصونه من الاندثار.
تميّز الفجري بطابعه الإيقاعي الفريد المعتمد على الطبول التقليدية والتصفيق الجماعي والنبرات الصوتية المتناغمة، ويؤدى غالبًا في مجموعات تتبادل الأدوار بين الغناء والردود الإيقاعية، وقد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر ضمن بيئة صيد اللؤلؤ، حيث كان الصيادون يجتمعون بعد العودة من رحلاتهم الطويلة لتأدية الفجري كوسيلة للترفيه والترويح عن النفس والتعبير عن الإرهاق والأمل والمشاعر الجماعية، وهو ما جعل هذا الفن مرتبطًا بالعلاقة الوجودية بين الإنسان والبحر في منطقة الخليج.
يتفرّع الفجري إلى خمسة أنماط غنائية مختلفة، هي البحري والعدساني والمخولفي والحدادي والحساوي، ولكل منها إيقاعه الخاص وطريقة أدائه المميزة التي تختلف بحسب المناسبة والمكان، كما يحمل كل نوع طابعًا شعوريًا مختلفًا بين الحماسة والتأمل والحزن والفرح، مما يعكس عمق التجربة الإنسانية للصيادين وعلاقتهم بالبحر كقوة حياة ومعاناة يومية في آن واحد.
ساهم إدراج الفجري ضمن قائمة اليونسكو في رفع مستوى الوعي بقيمته الثقافية داخل البحرين وخارجها، وشجع المؤسسات المحلية على توثيقه وتعليمه وتنظيم الفعاليات الخاصة به، كما فتح الباب أمام توظيفه في البرامج التعليمية والفنية، مما يضمن انتقاله إلى الأجيال الجديدة، ويعزز الشعور بالانتماء للموروث المحلي، ويمنحه فرصة للبقاء والتطور في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة.
شكّل هذا الفن الجماعي وسيلة حيوية للتواصل والتكاتف بين الصيادين، حيث كان يرسّخ قيمًا مثل الصبر والمثابرة والولاء والانضباط، كما أصبح لاحقًا مرآةً تعكس الهوية البحرينية وتروي قصة مجتمع تشكّلت ملامحه على ضفاف البحر، ولا يزال يحرص على حفظ تراثه وسط متغيرات العصر، وقد بات فن الفجري اليوم حاضرًا في المهرجانات والاحتفالات الوطنية كرمز أصيل من رموز التعبير الثقافي والشعبي.
المصدر: العين الإخبارية