الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المغرب » مرئي » المعالم التاريخية » ساحة جامع الفنا تحافظ على جوهر مراكش الثقافي الحي

ساحة جامع الفنا تحافظ على جوهر مراكش الثقافي الحي

تحتفظ ساحة جامع الفنا في قلب مدينة مراكش بكونها الفضاء الأشهر للفرجة الشعبية والترفيه الجماهيري الذي يجذب سكان المدينة والزوار من مختلف الجنسيات، وتعود شهرة هذا المكان إلى وظائفه المتعددة منذ نشأته في القرن الحادي عشر حين ظهرت مراكش كعاصمة للدولة المرابطية.

وبدأت الساحة تأخذ شكلها تدريجيًا كنقطة تجارية وعسكرية في آن واحد، ثم تحولت لاحقًا إلى محور اجتماعي وثقافي يعكس طبيعة الحياة اليومية في المدينة من خلال عروض فنية وحكايات شعبية ومظاهر احتفالية لا تزال حاضرة حتى الآن، وتعتبر اليوم رمزًا حيًا للذاكرة الجماعية ومرآة ثقافية لمدينة تتوسط الجنوب المغربي وتحمل إرثًا تاريخيًا متنوعًا.

undefined

تأسست الساحة بين عامي 1070 و1071 ميلاديًا بالتزامن مع ظهور المدينة القديمة، ثم ازدهر دورها بعد تشييد مسجد الكتبية، واستخدمها الحكام لعرض الجيوش وتقييم جاهزية القوات في فترات الحروب والتوسعات، وقد شكلت منذ ذلك الوقت ساحة مركزية للتعبير الشعبي والالتقاء، وظلت محجًا لسكان مراكش وزوارها في جميع العصور، وارتبط اسمها عند البعض بجامع قديم هُجر لاحقًا.

ويعتقد أن لفظ “الفنا” يشير إلى الفناء أو الزوال بسبب الأحداث التي وقعت هناك، كما ورد في بعض المراجع التاريخية مثل “تاريخ السودان” لعبد الرحمن السعدي، إذ أشار إلى أن السلطان أحمد المنصور الذهبي شرع في بناء جامع لكنه لم يكمله، فارتبط الاسم بفكرة الاندثار.

شهدت الساحة تغيرات كثيرة في طابعها ومضمونها، لكنها احتفظت بوظيفتها كمكان للعروض الحية التي تدمج بين رواة القصص، ومروضي الأفاعي، وبهلوانيين، وموسيقيين، وممارسين لفنون الحناء، ما جعلها نقطة جذب فريدة داخل النسيج السياحي المغربي، واستمرت هذه التقاليد في الانتقال الشفهي بين الأجيال، الأمر الذي أدى إلى تصنيف الساحة ضمن قائمة التراث الشفهي اللامادي للإنسانية التي أطلقتها منظمة اليونسكو عام 2001، بعد سنوات من المناقشات والاجتماعات الثقافية التي عقدت في مراكش منذ أواخر التسعينات، والتي أسهمت في صياغة مفهوم “التراث الشفهي” ووضع معايير عملية لحمايته وتوثيقه، بما يشمل التقاليد الحية التي تواجه خطر التلاشي بفعل التغيرات الاجتماعية السريعة.

ساهم المثقفون المغاربة منذ عام 1997 في الدفع نحو إبراز القيمة الثقافية لساحة جامع الفنا، وعرضها ضمن الفضاءات التي تستحق الحماية الأممية، وأدى ذلك إلى إدراجها رسميًا في قوائم اليونسكو ضمن قائمة روائع التراث الشفهي اللامادي، ما ضمن لها حضورًا عالميًا، وفتح المجال أمام المبادرات المحلية والدولية لدعم استمراريتها عبر البرامج والفعاليات، وتمثل الساحة اليوم نموذجًا حيًا لكيفية اندماج الموروث الشفهي في السياق الحضري الحديث دون أن يفقد هويته أو رمزيته، ما يعزز دورها بوصفها منصة للتعبير الجماعي المتجدد.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار