الأربعاء 1447/04/16هـ (08-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » موريتانيا » مرئي » المعالم التاريخية » وادان مدينة موريتانية تواجه نسيان الذاكرة التاريخية

وادان مدينة موريتانية تواجه نسيان الذاكرة التاريخية

وادان مدينة موريتانية تأسست عام 536 هجري، تقع على هضبة آدرار شمال شرقي أطار، وتضم واحات نخيل عديدة، كما تبعد عن تكوين قلب الريشات الصخري مسافة قصيرة، وارتبط اسمها بالعلم والتجارة والجهاد، حيث كانت محطة رئيسية للقوافل التجارية ومركزًا علميًا عُرف بشارع الأربعين عالمًا، وأُدرجت عام 1996 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، مما يعكس أهميتها الحضارية والثقافية في تاريخ المنطقة.

ساهمت القبائل العربية، وعلى رأسها أولاد غيلان، في الدفاع عن المدينة ضد الحملة الفرنسية على آدرار سنة 1909 بقيادة هنري غورو، حيث خاض المجاهد سيد أحمد ولد تكدي معارك شنقيط وأغماكو، دفاعًا عن الأرض والعقيدة، وهو ما يُظهر تماسك سكان المدينة في مواجهة المحتلين، كما يُعد دليلاً على الدور المحوري لوادان في التصدي للاستعمار، ورفضه منذ اللحظة الأولى.

وادان - ويكيبيديا

شهدت المدينة تأسيسًا فريدًا على يد ثلاثة من الحجاج العلماء القادمين من أغمات، وهم الحاج علي الصنهاجي، والحاج يعقوب القرشي، والحاج عثمان الأنصاري، الذين عادوا بعد أداء فريضة الحج، ووجدوا اللوح المدفون في وادان سليمًا على عكس ما حدث في أطار وشنقيط، فشرعوا في بناء المدينة، بدءًا من المسجد والسور الذي حمى المدينة من الغزاة لقرون، وصار مضربًا للأمثال.

عرفت وادان أوج ازدهارها في القرنين 15 و16، وأصبحت مركزًا تجاريًا حيويًا يربط بين الشمال الإفريقي وبلاد السودان، حيث كانت القوافل تنقل منها ملح كدية الجل إلى تيشيت وولاته وتمبكتو، كما ذكرها مستكشفون برتغاليون وإسبان وأوروبيون أبرزهم فالنتين فرناندس وكادا موستو، وأكدوا أن سكانها مسلمون ملتزمون، وتزدهر فيها تجارة الذهب والملح، كما ربطها بعض المؤرخين بتجارة الذهب نحو لشبونة.

أدى الصراع بين القبائل المحلية، خاصة بني حسان وقبائل صنهاجة، إلى نشوب حرب شر بب الأولى التي استمرت 35 سنة وانتهت بانتصار بني حسان، كما حاول ملوك مالي والصونغاي والبرتغال والمغرب السيطرة على المدينة، لكنهم فشلوا بسبب مقاومة السكان ووعورة التضاريس، مما جعل وادان تحتفظ باستقلالها حتى مراحل متأخرة.

بدأت موجات النزوح من وادان منذ القرن الخامس عشر، فاتجهت بعض الأسر نحو اترارزة، بينما استقرت أخرى في مالي، أبرزها أسرة العلامة عمر اقيت التي أنجبت المؤرخ أحمد بابا التنبوكتي، وواجهت هذه الأسرة اضطهادًا على يد سوني عالي ثم يعقوب المنصور الذهبي، حيث نُفي أفرادها إلى مراكش، قبل أن يعاد الاعتبار إليهم ويُسمح لهم بممارسة التعليم والإفتاء.

مدينة وادان الموريتانية... ميناء الصحراء وواديان للعلم والتمور - رصيف22

شهدت المدينة أيضًا نزوحًا نحو مناطق لعصابة وتكانت وآفطوط بسبب خلاف ديني، فأسس الفقيه سيدي محمود بن الطالب المختار قبيلة أهل سيدي محمود، التي نشرت الثقافة الإسلامية والعربية في شرق البلاد، وأسهمت في تعزيز وحدة المجتمع هناك، كما لعبت القبائل الوافدة من وادان دورًا بارزًا في نشر الإسلام ومقاومة الاسترقاق وتعليم القرآن في مناطق السنغال وكايور والوالو.

تحولت وادان إلى نقطة مركزية في تجارة الصمغ والذهب والحبوب، وامتدت شبكتها التجارية إلى أوروبا، حيث تعاملت مع بريطانيا وفرنسا وهولندا، وامتلكت ميناء خاصًا يُعرف بتكشكنبا، وذكرت خرائط الأطالس الأوروبية اسم المدينة، ما يعكس مكانتها الاقتصادية، كما شكل تنوع سكانها، من مسلمين ويهود ومسيحيين ووثنيين، مشهدًا فريدًا من التعايش، وامتزجت فيها قبائل مغربية وليبية وصنهاجية في نسيج اجتماعي واحد.

برز من وادان عدد كبير من العلماء، من بينهم محمد بن أحمد بن أبي بكر الوداني، والشيخ سيد أحمد أهن، والإمام أحمد أيد القاسم، وكان لهم تأثير واسع على المغرب العربي وبلاد السودان والمشرق، كما حفظوا تراث المدينة، وأسهموا في تكوين هوية علمية متميزة ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار