السبت 1447/03/14هـ (06-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مرئي » المعالم التاريخية » التحطيب .. تراث حي يعكس الرجولة والفروسية في صعيد مصر

التحطيب .. تراث حي يعكس الرجولة والفروسية في صعيد مصر

يمثل التحطيب، ذلك الفن القتالي التقليدي بالعصا، أحد أبرز ملامح التراث الشعبي المصري، خصوصاً في مناطق الصعيد، حيث لا يزال يُمارس حتى اليوم بشغف واعتزاز، جامعاً بين البُعد التاريخي والفني والاجتماعي.

ويُعد هذا الفن جزءًا من التراث الثقافي غير المادي الذي أدرجته منظمة اليونسكو، ما يضفي عليه أهمية عالمية ويؤكد قيمته كإرث حضاري عابر للأزمنة.

يعود التحطيب في جذوره إلى عصور سحيقة، حيث كان يُستخدم كفن قتالي يُدرّس للجنود، وارتبط بالمفاهيم العسكرية المرتبطة بالاستقامة والصدق والشجاعة.

فن وتراث صعيدي.. التحطيب لعبة الشهامة والنبل والاحترام - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

وقد وثّقت الجداريات في المعابد الفرعونية مشاهد لممارسته، ما يعكس عمق حضوره في الحياة المصرية القديمة، واهتمام قدماء المصريين بتعليمه وتطويره كرياضة دفاعية تستند إلى قواعد الفروسية.

ومع تعاقب الأجيال وتغير وظائف المجتمعات، تحوّل هذا الفن من أداة صراع إلى رقصة شعبية تُعرف باسم “رقصة العصا” أو “رقصة القصب”، وتُقدَّم اليوم في الأعراس والاحتفالات والمهرجانات التراثية، محتفظة بروحها الحماسية والرمزية.

تحمل عروض التحطيب اليوم بُعدًا اجتماعيًا وثقافيًا يتجاوز حدود الاستعراض الجسدي، إذ تُمثل وسيلة للتعبير عن النخوة والرجولة، كما تجسّد القيم المتجذّرة في المجتمعات الريفية مثل الكرامة والاحترام والانتماء، وتُعد هذه الممارسة اليوم تراثًا حيًا، يُنقل شفهياً من جيل إلى آخر، ويُراكم قيمة فنية ومجتمعية خاصة، جعلته محل اهتمام عالمي ومحلي، وموضوعًا للتوثيق الثقافي والمؤسسي.

في الوقت الراهن، لم يعد التحطيب مقتصرًا على الرجال فقط، بل بدأت بعض المدارس المختصة في تلقين أصوله وفنونه تشهد إقبالًا متزايدًا من السيدات، في مشهد يعكس تطوراً اجتماعياً وثقافياً ملحوظاً في طريقة تلقي هذا الفن، وقد ساعد هذا الانتشار المتجدد في توسيع قاعدة المهتمين بالتحطيب، وتحفيز الجهود المؤسسية لإدماجه ضمن برامج السياحة الثقافية، حيث تستقطب عروضه زواراً من مختلف الجنسيات، ما يُضفي عليه دورًا سياحيًا إلى جانب كونه فنًا شعبياً تقليدياً.

تعرف على "التحطيب" أحد أقدم فنون القتال التراثية في صعيد مصر

ويُمارس التحطيب اليوم بطريقتين؛ الأولى كرقصة استعراضية تعتمد على تناسق الحركة وإيقاع الطبول والمزمار، والثانية كمبارزة تنافسية بين اثنين من المحترفين أو الهواة، يُظهر كلٌّ منهما مهارته في التحكم بالعصا، ضمن قواعد شفهية تضبط الإيقاع وتمنع الإيذاء،. وتُقام هذه المبارزات غالباً في ساحات الأفراح أو الساحات العامة خلال الاحتفالات الدينية والمناسبات القروية، ما يمنحها طابعاً احتفالياً جماعياً.

ومع تزايد الاهتمام بالتراث الشعبي في مصر، تحظى فنون مثل التحطيب بمكانة متنامية داخل خطط الحفاظ على الهوية الثقافية، حيث تسعى الجهات المعنية إلى إدماجه في المهرجانات القومية وتقديمه كمنتج ثقافي مميز، يجمع بين التاريخ والفرجة الشعبية.

وبينما يستمر هذا الفن في تأدية أدواره التراثية والاجتماعية، يبقى التحطيب أحد أبرز معالم الهوية الشعبية في الصعيد المصري، وشاهداً حياً على قدرة الفنون الشعبية على البقاء والتجدّد في آن واحد.

المصدر: سكاي نيوز عربية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار