الجمعة 1447/03/13هـ (05-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » غير مرئي » المعالم التاريخية » ملحمة السيرة الهلالية توثّق تغريبة بني هلال الخالدة

ملحمة السيرة الهلالية توثّق تغريبة بني هلال الخالدة

تجسد السيرة الهلالية واحدة من أهم الملاحم الشعبية في التراث العربي، وتُعد مرآة حقيقية تعكس التاريخ الشفهي للقبائل العربية، حيث تنقل عبر الأجيال حكاية الهجرة الكبرى لبني هلال من نجد في شبه الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا مرورًا بأراضي مصر، في سرد درامي مشوّق زاخر بالتفاصيل التاريخية والأسطورية.

تُعرف هذه الملحمة أيضًا باسم “تغريبة بني هلال”، وتُروى في صيغ متعددة، تختلف من منطقة إلى أخرى، مما يعزز من ثرائها الفني والثقافي.

الهلالية" سيرة أبدعتها المرأة سردا وغناها الرجال شعرا | اندبندنت عربية

تناولت السيرة الهلالية في جوهرها قصة الهجرة التاريخية التي قادتها قبائل بني هلال بعد اشتداد النزاعات في ديارهم، متجهين صوب تونس والجزائر مرورًا بصعيد مصر، وقد رسمت الملحمة معالم تلك الرحلة الطويلة بأسلوب فني ملحمي يجمع بين الشعر والسرد والتغني البطولي.

وخلال هذه التغريبة، واجه بنو هلال العديد من التحديات القاسية التي جسدتها الملحمة في سلسلة من المعارك والصراعات القبلية والخيانة والبطولات التي نسجت تفاصيلها في وجدان الشعوب.

وبرزت في هذه السيرة شخصيات أسطورية لا تزال أسماؤها حاضرة في الذاكرة الجمعية، وفي طليعتها أبو زيد الهلالي، الذي يتجلى بطلاً خارقًا يجمع بين الذكاء والشجاعة والفروسية، إلى جانب شخصيات مثل دياب بن غانم الذي جسد التنافس القبلي، والأميرة شيحة التي كانت تمثل رمزية المرأة القوية ذات الحضور المؤثر، وقد اتسمت هذه الشخصيات بصفات متعددة جعلت منها رموزًا تراثية تحظى بتقدير واسع في مختلف البيئات العربية.

سيرة بني هلال - ويكيبيديا

وتُعد السيرة الهلالية أكثر من مجرد قصة، إذ باتت وثيقة ثقافية توارثتها المجتمعات من جيل إلى جيل عبر الرواية الشفهية، لا سيما في صعيد مصر والمغرب العربي، حيث لا تزال تُروى في المجالس والأسواق والمناسبات الشعبية، بصوت الرواة والمنشدين الشعبيين الذين حافظوا على الإيقاع الشعري والموسيقى التراثية التي ترافق السرد، وقد ساهم هذا الأسلوب في حفظ النصوص ودمجها في الوجدان الشعبي، كما أسهم في تشكيل هوية ثقافية قائمة على الفخر بالتاريخ والأسطورة.

ورغم أن السيرة الهلالية تُروى بنصوص متباينة، إلا أن هذا التعدد يعكس تطورها الديناميكي ومرونتها التي سمحت لها بالتكيّف مع البيئة المحلية والظروف الاجتماعية المختلفة، فكل راوٍ يضيف لمساته الخاصة، مما يمنح الملحمة بعدًا حيًّا متجددًا لا تنفصل فصوله عن الواقع، بل تُعيد قراءته بصيغة رمزية تحمل رسائل حول الشجاعة والكرامة والصراع من أجل البقاء.

وتستمر السيرة الهلالية حتى اليوم كمصدر إلهام للأدب والفنون الشعبية في الوطن العربي، وتُعرض في أعمال مسرحية وسينمائية ومهرجانات تراثية، ما يعزز حضورها في الذاكرة الثقافية ويحافظ على أهميتها في وقت تتراجع فيه المرويات الشفهية أمام الوسائط الرقمية.

ومع ازدياد الاهتمام العالمي بالتراث غير المادي، تمثل السيرة الهلالية نموذجًا حيًّا لموروث ثقافي عربي أصيل يستحق التوثيق والحماية والدراسة الأكاديمية المستفيضة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار