تؤدي مجموعات من الشباب والفتيات الفلسطينيين حركات متناسقة تتضمن القفز والخطو القوي على الأرض بينما تصدح الألحان الشعبية بكلمات مستوحاة من البيئة المحلية، ويشكل هذا المشهد اليومي الذي يتكرر في الأعراس والمناسبات الوطنية نموذجًا حيًا لفن الدبكة الشعبية التي تحولت من مجرد رقصة جماعية إلى وسيلة للمقاومة الثقافية وتأكيد الهوية الوطنية في ظل الاحتلال والتهديد المستمر لطمس التراث.
ويرتبط هذا الفن الشعبي بروح الجماعة، حيث يقف المشاركون في صفوف مستقيمة أو في نصف دائرة ويتحركون بتناغم تام على إيقاع الطبول والأغاني التي تعكس مشاعر الانتماء والفرح.
ويحرص الفلسطينيون على تعليم هذا الفن لأبنائهم رغم محاولات الغزو الثقافي المستمرة من الخارج، ويعتبرون الدبكة جزءًا لا يتجزأ من الشخصية الفلسطينية وواحدة من أدوات التعبير عن الصمود والحفاظ على الجذور، كما يؤدّيها الرجال والنساء في جميع المناسبات، ويتفنن الشباب في تقديمها ضمن عروض منظمة أو في مهرجانات محلية ودولية.
ويتم تنظيم عروض الدبكة اليوم بشكل احترافي عبر فرق فنية تابعة لمؤسسات ومراكز ثقافية تسعى إلى توثيق التراث الشعبي وتقديمه على مسارح العالم، خاصة بعد أن أصبحت هذه الرقصة تمثل بعد عام 1948 وسيلة لإثبات الهوية الفلسطينية في وجه محاولات الإلغاء والاقتلاع، وتحولت إلى نشاط يشارك فيه أبناء المخيمات والمغتربون في بلاد المهجر لتأكيد الارتباط بالوطن من خلال حركات القدم وإيقاع الجسد الذي لم تنسه سنوات الغربة والشتات.
وتكاد لا تخلو مناسبة فلسطينية من هذه الرقصة، إذ تُمارس في حفلات الزفاف والمهرجانات الشعبية والمناسبات الوطنية والاحتفالات الجامعية، وتُكتب كلمات الأغاني باللهجة المحلية لتعبر عن العواطف والأحداث والهموم اليومية، ما يجعل من الدبكة وسيلة اتصال ثقافي بين الأجيال ومنصة لنقل الوعي والتاريخ عبر الحركة والإيقاع.
وفي ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من دمار وتهجير خصوصًا في غزة، يواصل الفلسطينيون التمسك بالدبكة كعلامة من علامات الصمود، وتعمل المؤسسات الثقافية والفرق الشعبية على الحفاظ على هذا التراث، وقد تم مؤخرًا السعي لتسجيل الدبكة الفلسطينية على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي، كخطوة نحو تثبيت الاعتراف الدولي بهذا الفلكلور الفريد، وضمان نقله للأجيال القادمة، ليظل رمزًا حيًا على أن الثقافة يمكن أن تبقى رغم كل أشكال الحصار والاحتلال.
المصدر: الأهرام