يقع مسجد بن بحر في قلب منطقة المباركية بالعاصمة الكويت، وهو أحد أقدم المعالم الدينية والتراثية التي لا تزال قائمة حتى اليوم، محتفظًا بمكانته الروحية والتاريخية بين سكان المدينة وزوارها، وقد شهد المسجد خلال أكثر من ثلاثة قرون تحولات عمرانية ومعمارية عديدة، لكن طابعه الفاطمي الأصيل ظل حاضرًا في ملامحه الهندسية، من الواجهة حتى القبة والمئذنة.
بدأ بناء المسجد في عام 1695 ميلادية، وكان يُعرف في بدايته باسم “مسجد الإبراهيم”، وقد شيّد في أول الأمر باستخدام المواد المتوفرة آنذاك، من الطين والطوب اللبن، حيث كانت تلك العناصر الإنشائية هي السائدة في عمارة الخليج العربي القديمة.
ومع مرور الزمن، تدهورت بعض أجزاء البناء، ما دفع أحد أحفاد المؤسسين، وهو «عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر»، إلى إعادة بناء المسجد في عام 1316 هجريًا، ليواصل بذلك الحفاظ على هذا المعلم الديني من الاندثار.
ومع دخول حقبة جديدة من التوسع العمراني والنهضة المعمارية التي شهدتها الكويت، خضع المسجد لعملية إعادة بناء شاملة مرة أخرى، جاءت هذه المرة على نفقة «عبدالرحمن بن محمد البحر» في عام 1402 هجريًا، مما عزز من بنيته التحتية ووسّع طاقته الاستيعابية، لتواكب احتياجات المصلين المتزايدة، ولتبقى أروقته شاهدة على الاهتمام الشعبي بالحفاظ على التراث الديني الكويتي.
وتبلغ المساحة الإجمالية للأرض التي يشغلها المسجد قرابة 2500 متر مربع، ويتسع المصلى الداخلي لاستقبال نحو ألفين وخمسمائة مصلٍّ في ذات الوقت، ما يجعله من بين المساجد الكبيرة من حيث القدرة الاستيعابية في المنطقة القديمة من العاصمة.
ويتمتع المسجد ببنية معمارية مميزة تستلهم الطراز الفاطمي، وهو ما يظهر بوضوح في تصميم الواجهات والزخارف، إضافة إلى القبة المتقنة والمئذنة ذات المظهر التاريخي، إلى جانب التفاصيل الداخلية التي تحاكي نمط العمارة الإسلامية التقليدية.
ويُعد مسجد بن بحر اليوم من الشواهد الحية على مراحل تطور فنون البناء الديني في الكويت، كما يمثل رمزًا للارتباط المتين بين العمارة والهوية الثقافية، ولا يزال المسجد يؤدي دوره كمنارة روحية وسط المنطقة التاريخية، حيث يرتاده المصلون يوميًا، خاصة في شهر رمضان والمناسبات الدينية، مما يجعله واحدًا من أبرز المساجد ذات البعد التراثي والروحي في البلاد.
المصدر: أخبار اليوم