الأربعة ركون.. أحد أقدم مساجد مقديشو وشاهد على تاريخ الصومال الإسلامي
يقف مسجد الأربعة ركون في قلب العاصمة الصومالية مقديشو شاهداً على عمق التاريخ الإسلامي في المنطقة، حيث يمثل أحد أقدم المساجد فيها، إذ يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1260 ميلادية، وقد أنشأه خسرا بن مبارك الشيرازي، ما يعكس الروابط الثقافية والدينية القديمة بين شرق أفريقيا والعالم الإسلامي.
ويُعد المسجد من أبرز المعالم المعمارية التي توثق انتشار الإسلام في القرن الثالث عشر في الساحل الشرقي للقارة، ويمثل نموذجاً واضحاً لتأثير الثقافة الفارسية والعربية على البناء الديني في مقديشو.
يتميز المسجد بتصميمه التقليدي الذي يجمع بين البساطة والمتانة، إذ سُمِّي بمسجد الأربعة ركون نسبة إلى الزوايا الأربع البارزة التي يرتكز عليها البناء، وهو ما يعطيه طابعاً معمارياً فريداً لا يزال قائماً رغم مرور أكثر من سبعة قرون.
ويدل اختيار موقع المسجد في وسط المدينة القديمة على أهميته كمركز ديني واجتماعي في تلك الحقبة، إذ كان المسجد مقصداً للتعبد والتعليم وملتقى لأهالي المدينة،ويُظهر بناؤه المبكر حجم التمدد الحضري والديني في مقديشو قبل وصول التأثيرات الاستعمارية الأوروبية إلى المنطقة.
واستخدم البناؤون في تشييد المسجد مواد محلية من الحجر الجيري والمرجان البحري، وهي عناصر مألوفة في العمارة الساحلية في شرق أفريقيا، كما يظهر في قبابه البسيطة ومآذنه الصغيرة، التي تعكس روح الزهد والتقشف المنتشرة في بدايات المساجد الإسلامية.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها مقديشو عبر التاريخ، من حروب أهلية وصراعات سياسية، إلا أن المسجد ظل قائماً، ويواصل أداء دوره كرمز ديني وروحي، ويؤمه المصلون يومياً، مما يعكس استمرار الدور المركزي للمساجد في حياة المجتمع الصومالي.
ويحظى المسجد باهتمام الباحثين والمهتمين بالتراث الإسلامي في أفريقيا، لما يحمله من قيمة أثرية ودينية كبيرة، ويمثل نقطة انطلاق مهمة لفهم تطور العمارة الإسلامية في منطقة القرن الأفريقي، كما يسلط الضوء على العلاقات التاريخية التي جمعت بين مقديشو ومدن إسلامية كبرى مثل زنجبار وعدن وشيراز.
وتُعد حماية المسجد وترميمه ضرورة ملحة للحفاظ على هذا الموروث، خاصة في ظل استمرار مظاهر التآكل وغياب برامج الترميم المستدامة.
ويعكس مسجد الأربعة ركون، من خلال تاريخه العريق ووظيفته الدينية المستمرة، تماسك المجتمع الصومالي حول هويته الإسلامية، وارتباطه العميق بتراثه الروحي، ويُظهر كيف يمكن لدور العبادة أن يبقى شاهداً على مراحل مختلفة من التاريخ، رغم التغيرات السياسية والاقتصادية العاصفة التي مرت بها البلاد.
المصدر: archiqoo