الأثنين 1447/02/10هـ (04-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » ليبيا » مرئي » المعالم التاريخية » مدينة غدامس القديمة تجسد فنون العمارة الصحراوية وتاريخ الاستقرار البشري في الصحراء الليبية

مدينة غدامس القديمة تجسد فنون العمارة الصحراوية وتاريخ الاستقرار البشري في الصحراء الليبية

بنيت مدينة غدامس في قلب واحة صحراوية تقع غرب ليبيا، واعتُبرت منذ آلاف السنين واحدة من أقدم المدن المأهولة التي ظهرت في منطقة ما قبل الصحراء، واكتسبت عبر قرون من التطور الحضري لقب “لؤلؤة الصحراء” لما تتميز به من تنظيم معماري فريد وانسجام بين نمط البناء والبيئة الطبيعية المحيطة، ما جعلها مثالًا حيًا على الموئل التقليدي في المجتمعات الصحراوية، وواحدة من أبرز المواقع الليبية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي منذ عام 1986.

تشهد الآثار والنقوش المحفورة في صخور المنطقة على وجود نشاط بشري منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، حيث كشفت الاكتشافات الأثرية عن بقايا تعود للعصور الحجرية، وتوالت عليها حضارات متعددة، فقد احتلها القرطاجيون عام 795 قبل الميلاد، ثم خضعت للرومان في عام 19 قبل الميلاد، وبعدها دخلها المسلمون بقيادة عقبة بن نافع سنة 42 للهجرة، وتواصلت أهميتها عبر قرون حتى أصبحت نقطة مركزية للقوافل العابرة للصحراء الكبرى في القرن الثامن الميلادي.

يتحدث تصميم المدينة عن وعي معماري متقدم لطبيعة المناخ الصحراوي، حيث تُوزع الوظائف المنزلية على عدة طوابق بشكل دقيق، فالطبقة الأرضية تُستخدم لتخزين المؤونة، بينما تضم الطوابق العلوية المساحات السكنية، وتُشرف على ممرات ضيقة مسقوفة تشكل شبكة حركة معزولة عن حرارة الشمس، تسمح لسكان المدينة بالتنقل دون التعرض للضوء المباشر، أما الشرفات المكشوفة فخُصصت للنساء، ما يعكس نمطًا اجتماعيًا محافظًا ومتكيفًا مع البيئة.

يقرأ الزائر في وصف الجغرافيين والرحالة القدامى ملامح الدهشة من هندسة المدينة، فقد وصفها صاحب كتاب “الاستبصار” في القرن السادس الهجري بأنها مدينة قديمة لطيفة، تضم كهوفًا وغرفًا أرضية استخدمت كسجون للملكة الكاهنة، وتحتوي على أقواس وزخارف معمارية معقدة تعكس براعة حضارات ماضية.

كما وصف ياقوت الحموي في “معجم البلدان” وجود عين ماء عذبة في وسط المدينة تُعرف بـ”عين الفرس”، يجري تقسيمها بدقة بين الأهالي وفق أنصبة معلومة، تُستخدم في الري والزراعة، دون تجاوز للحدود المخصصة لكل عائلة، وهو ما يُظهر نظامًا اقتصاديًا ومائيًا دقيقًا ظل قائمًا حتى عصور متأخرة.

يحرر إدراج غدامس ضمن قائمة التراث العالمي أهمية دولية لهذا الموقع النادر، حيث تجمع بين القيمة المعمارية والتاريخية والإنسانية، كما تُظهر استمرارية الاستقرار البشري رغم قسوة المناخ، وقد خضعت غدامس في القرن السادس عشر للحكم العثماني في تونس، ثم لحكم الدولة العثمانية في ليبيا في القرن الثامن عشر، وهو ما أثر في بعض عناصر عمارتها وطرق تنظيمها الإداري، لكنها احتفظت بروحها المحلية حتى اليوم، ما جعلها محط أنظار الباحثين والمخططين المهتمين بالمدن التقليدية المستدامة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار