تحولت قلعة طبرق الواقعة على مشارف المدينة الساحلية الليبية إلى موقع تذكاري تاريخي يجسد فصلًا من أكثر فصول الحرب العالمية الثانية دموية، حيث كانت هذه المنطقة الساحلية ذات الأهمية العسكرية الكبرى مسرحًا لمعارك ضارية بين قوات الحلفاء والمحور، وقد خلفت تلك المعارك آلاف القتلى من الجانبين، وكانت الجثث المبعثرة لسنوات تحت الرمال حتى بدأت الجهود الألمانية والليبية المشتركة بجمعها ودفنها في موقع موحد.
يتحدث الموقع عن هذا التاريخ الدموي من خلال تصميم معماري محكم يشبه القلاع العسكرية، فقد شُيّدت المقبرة التي تُعرف اليوم باسم “قلعة طبرق” على هيئة قلعة حجرية واسعة تتوسطها مقبرة جماعية تضم رفات وأشلاء نحو 6025 جنديًا ألمانيًا، وتم افتتاحها رسميًا في 20 نوفمبر من عام 1955 بالتنسيق بين السلطات الليبية والجمعية الفيدرالية الشعبية الألمانية لرعاية قتلى الحرب، وهي الجهة التي أشرفت على تجميع الرفات من مواقع متفرقة في الصحراء ومحيط المدينة والميناء.
يقرأ الزائر تفاصيل الفقد والحزن من خلال الألواح الجدارية المحيطة بالقبر الجماعي، والتي كُتبت عليها أسماء الجنود القتلى، وهي مصنوعة من أحجار صخرية ثقيلة وتحمل نقوشًا دقيقة تُظهر الاهتمام بتوثيق هويات القتلى وحفظ ذكراهم، كما تنتشر تماثيل ذات طابع جنائزي ورسومات صامتة تعكس لحظة النهاية التي انتهت بها حياة آلاف المقاتلين في ظروف قاسية وغير إنسانية.
يحرر التصميم الهندسي للقلعة فكرة المقبرة من طابعها المألوف، ويمنحها بُعدًا تاريخيًا وعاطفيًا في آن، فهي لا تقدم فقط معلومات عن عدد القتلى أو الجهة التي دفنتهم، بل تسعى إلى تأطير الموت في سياق رمزي يذكّر الزائر بما تتركه الحروب من خسائر بشرية لا تعوض، وهذا ما جعل القلعة مزارًا ليس فقط لعائلات القتلى، بل للمهتمين بتاريخ الحرب من الباحثين والسياح.
عرض التاريخ من خلال هذا المعلم لم يكن عملًا بروتوكوليًا بل جزءًا من مراجعة ألمانية لصورة الحرب وتأثيراتها على الذاكرة العامة، حيث تقوم لجنة قبور الحرب الألمانية بتوثيق مستمر لحالات الجنود وأماكن دفنهم وتاريخهم الحربي، وقد أدرجت المقبرة ضمن خريطة المواقع التذكارية المعتمدة في أوروبا وشمال أفريقيا.
المصدر: ويكيبيديا