شهد يوم الأربعاء مرور 1083 عامًا هجريًا على تأسيس الجامع الأزهر في القاهرة، الذي يُعد واحدًا من أقدم وأهم المؤسسات الإسلامية في العالم، وقد أنشأه القائد جوهر الصقلي في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، حيث بدأ العمل على بنائه في 24 من جمادى الأولى عام 359 هـ، الموافق 4 أبريل عام 970م، واستمر البناء لمدة قاربت 27 شهرًا، ليفتتح للصلاة في السابع من رمضان عام 361 هـ، الموافق 21 يونيو عام 972م.
وسُمّي الجامع بالأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد، التي يُنتسب إليها الفاطميون، وفق أكثر الروايات تداولًا.
ويُعتبر الأزهر بموجب القانون المصري رقم 103 لسنة 1961، الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى في البلاد، والمسؤولة عن حفظ التراث الإسلامي ودراسته ونشره.
عمارة متجددة
منذ إنشائه وحتى اليوم، ظل الجامع الأزهر محل رعاية من الخلفاء والحكام، الذين أولوه اهتمامًا خاصًا من حيث التوسعة والترميم.
آخر عمليات الترميم الشاملة انتهت في عام 2018، واستغرقت قرابة ثلاث سنوات. تبلغ مساحته الحالية نحو 12 ألف متر مربع، ويضم ثمانية أبواب موزعة على جهاته الأربع، أبرزها الباب العباسي وباب الشوام وباب الجوهرية.
وينقسم الجامع إلى رواقين، أحدهما قديم يلي الصحن، ويمتد من باب الشوام إلى رواق الشراقوة، والآخر حديث يرتفع عنه بدرجتين، ويحتوي الرواق الجديد على محرابين، في حين يضم الرواق القديم محرابًا واحدًا يُعرف باسم القبلة القديمة.
منهج وسطي
يُرجع أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر، سرّ استمرارية الأزهر إلى اعتماده على “المنهج الأزهري التعددي”، الذي لا يتقيد بمذهب فقهي واحد، بل يشمل دراسة المذاهب الأربعة كافة، إلى جانب العلوم الشرعية المختلفة، ما يجعله بيئة تعليمية شاملة تراعي التعايش والانفتاح.
وأوضح الصاوي أن الجامع كان منذ البداية مكانًا للعبادة والتعليم معًا، وقد استخدمه الفاطميون لنشر مذهبهم، لكن بعد سقوط الدولة الفاطمية وتحول مصر إلى المذهب السني، أعاد الأيوبيون توجيه الجامع ليكون منارة للعلوم الشرعية السنية، واستمر في أداء هذا الدور بعد أن أُغلقت معظم المدارس الأخرى في مصر والمنطقة.
منبر عالمي
برزت تقاليد التدريس في الأزهر مع ظهور ما يُعرف بشيخ العمود، حيث كان الشيوخ يجلسون في المسجد ويحيط بهم الطلاب، ثم تأسست الأروقة التي جمعت الطلاب بحسب بلدانهم، ووفرت لهم مقومات الدراسة من أوقاف وتمويل ومشايخ ودواوين، ما شكل نواة الجامعة الأزهرية الحديثة.
في العصر المملوكي، استأثر الأزهر بالمكانة العلمية والدينية الأولى في مصر والعالم الإسلامي، خصوصًا بعد سقوط بغداد وانقسام الخلافة، وتم خلال تلك الفترة إنشاء ثلاث مدارس كبرى تابعة له، هي الطيبرسية والآقبغاوية والجوهرية، وأسهمت في تنشيط الحركة العلمية داخله، كما تنوعت العلوم بين العقيدة، والشريعة، واللغة، والعقل، والتاريخ، والجغرافيا.
تأثير ممتد
يرى الصاوي أن الأزهر ظل يمثل المرجعية الكبرى لقضايا العالم الإسلامي، إذ تستقبل مشيخته بشكل دائم عددًا من القادة والسياسيين من مختلف الدول، كما يواصل الأزهر الإسهام في التوعية بالقضايا الإنسانية مثل مكافحة الأمراض، وتعليم الفتيات، والعمل الخيري.
وأكد الصاوي أن الأزهر لم يكن يومًا طرفًا في الصراعات السياسية، لكنه يتدخل حين يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى التي تمس استقرار المجتمعات أو مقاومة الاحتلال، مشيرًا إلى أن دوره كان محوريًا في مقاومة الاستعمار، وأن شيوخه وقفوا إلى جانب الناس في وجه المظالم، ولعبوا دورًا تاريخيًا في تثبيت محمد علي حاكمًا لمصر.
واختتم بأن الدستور المصري يعترف بالأزهر كمرجعية رئيسية للشريعة الإسلامية في البلاد، ويكفل استقلاله، واليوم، يواصل الأزهر أداء دوره التعليمي من خلال عشرات الآلاف من المعاهد والكليات، ويستقبل طلابًا من أكثر من 100 دولة، ما يعزز مكانته العالمية كمؤسسة تعليمية وروحية كبرى.
المصدر: بي بي سي عربية