الأثنين 1447/01/12هـ (07-07-2025م)
التراث المادي (الآثار)قطاعات التراث

العُلا نموذج عالمي في حفظ التراث وتوظيفه لخدمة التنمية المستدامة

تحولت محافظة العُلا السعودية إلى نموذج عالمي يُحتذى به في حفظ التراث الإنساني وتوظيفه لخدمة التنمية المستدامة، بحسب ما كشفه تقرير موسّع نشرته مجلة “The UNESCO Courier” التابعة لمنظمة اليونسكو في عددها الصادر لشهر يوليو 2025، حيث وصفت فيه العُلا بأنها “لؤلؤة الصحراء السعودية”، مشيدةً بالتحولات الثقافية والسياحية الكبرى التي شهدتها هذه الواحة التاريخية الواقعة شمال غرب المملكة في منطقة المدينة المنورة، والتي كانت منذ آلاف السنين مركزًا حيويًا على طريق البخور الذي ربط بين حضارات الشرق والغرب، قبل أن تنفض عنها الرمال لتعود من جديد إلى دائرة الضوء العالمي.

واستعرض التقرير تفاصيل الرحلة التي خاضتها العُلا منذ عام 2017، عندما بدأت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تنفيذ مشاريع تنقيب واسعة النطاق كشفت عن طبقات تاريخية عميقة، تمتد إلى أكثر من 200 ألف عام من التاريخ الإنساني، لتتحول المنطقة إلى مرآة حية تعكس الغنى الثقافي والتنوع الحضاري للمملكة، في انسجام تام مع أهداف رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وتحويل العُلا إلى وجهة ثقافية وسياحية ذات طابع عالمي.

وقد شدد التقرير على أن ما يحدث في العُلا ليس مجرد ترميم ماضٍ مندثر، بل هو إعادة بعث للحضارات التي مرت بها، وتوظيفها في حاضر نابض بالحياة.

وسلط التقرير الضوء بشكل خاص على موقع “الحِجر” أو مدائن صالح، والذي يُعد أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويضم 111 ضريحًا صخريًا تكشف عن التأثيرات المتداخلة لحضارات عدة مثل المصرية واليونانية والآشورية، وتُعد هذه المدافن الشاهقة دليلاً ماديًا على الازدهار الذي شهدته هذه المدينة النبطية قبل أكثر من ألفي عام، حين كانت مركزًا استراتيجيًا على الطرق التجارية القديمة، وموطنًا للتنوع الديني والثقافي.

كما توقف التقرير عند جبل عكمة، واصفًا إياه بـ”المكتبة المفتوحة على الهواء الطلق”، بعد إدراجه رسميًا في سجل ذاكرة العالم التابع لليونسكو، حيث يحتضن أكثر من 300 نقش صخري مكتوب بسبع لغات قديمة، من أبرزها الدادانية والنبطية والصفائية، ما يدل على التعدد الثقافي الذي مرّ بهذه المنطقة وقدرتها على استيعاب التفاعل اللغوي والحضاري في فترات زمنية مختلفة.

ولم تقتصر إنجازات العُلا على التنقيب والترميم فقط، بل أصبحت أيضًا مركزًا حيويًا للثقافة والتنمية، حيث تستقطب المملكة عشرات الخبراء من أكثر من 20 دولة للمشاركة في جهود البحث والتطوير، إلى جانب تنفيذ مشاريع بنية تحتية وسياحية متكاملة ساهمت في استقبال أكثر من 286 ألف زائر خلال عام 2024، في تجربة رائدة تجمع بين حماية التراث وتفعيل الاقتصاد السياحي في إطار رؤية استراتيجية شاملة تأخذ في الحسبان أهمية التوازن بين الماضي والمستقبل.

واختتم التقرير بكلمات لافتة أدلى بها خوسيه إغناسيو ريفيا، أحد أبرز خبراء التراث في اليونسكو، أكد فيها أن ما تحقق في العُلا يُعد مثالًا عالميًا لدمج الإرث الإنساني بالمسؤولية التنموية، مشيرًا إلى أن العُلا باتت نموذجًا يُدرّس في كيفية حماية التراث بطريقة تحاكي العصر وتخاطب العالم، دون أن تفرّط بجذورها الراسخة في عمق التاريخ.

المصدر: بوابة الخليج الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى