مدينة “قُرح” القديمة في السعودية تعود للواجهة عبر بوابة التنقيب والترميم

أعادت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا في المملكة العربية السعودية تسليط الضوء على مدينة “قُرح” الأثرية الواقعة جنوب المحافظة، في إطار جهودها الرامية إلى توثيق وإبراز التراث الحضاري للمنطقة، من خلال حملات تنقيب واسعة ومشروعات بحثية متخصصة.
وتمثّل هذه المدينة القديمة محطة بارزة على مسار القوافل التجارية والحج منذ آلاف السنين، بفضل موقعها الاستراتيجي ومكانتها الاقتصادية والثقافية في وادي القرى، وهو ما جعلها مفترق طرق حيوي للحجاج والتجار القادمين من الشمال والجنوب، من الشام واليمن، في طريقهم إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة.
امتدت مدينة “قُرح” على بُعد 20 كيلومترًا تقريبًا جنوب البلدة القديمة في العُلا، قرب قرية “مغيْراء”، في موقع طبيعي محاط بسلسلة من الجبال المتوسطة الارتفاع، ما منحها أهمية جغرافية كبرى في شبكة الطرق القديمة.
وقد ازدهرت المدينة قبل الإسلام وبعده، وكانت مركزًا تجاريًا وثقافيًا بارزًا في وادي القرى، ووصفتها المصادر التاريخية بأنها حاضنة لأسواق عامرة، وقلاع محصّنة، ومنازل مزدهرة، ما يدل على أنها كانت واحدة من أهم الحواضر الحجازية في العصور الإسلامية الأولى.
ورغم أن اسم “قُرح” بدأ في التراجع مع بداية القرن السادس الهجري، لصالح مدينة “العُلا” التي بدأت تبرز شمالًا على امتداد الوادي، فإن آثار المدينة ما تزال شاهدة على حقبة من الرخاء الحضاري، فقد وصف الجغرافي الأصطخري في القرن الرابع الهجري “قُرح” بأنها من كبريات مدن الحجاز، بعد مكة والمدينة واليمامة، مشيرًا إلى وفرة مياهها وازدهار سوقها.
كما أكد المقدسي في مصنفه أن المدينة شكّلت نقطة تلاقٍ لثقافات متعددة، بحكم تنوع سكانها القادمين من أطراف الجزيرة العربية.
وتشير البقايا المعمارية الموجودة اليوم، من أسواق، وقصور، وشوارع مرصوفة، إلى أن المدينة امتلكت طابعًا عمرانيًا متميزًا، تأثرت فيه بأساليب العمارة الإسلامية المبكرة، واستفادت من موقعها على طريق البخور التاريخي، الذي كان يُستخدم لنقل اللبان والسلع الثمينة من الجنوب إلى الشمال.
وبهذا المعطى، لعبت “قُرح” دور الوسيط التجاري والثقافي بين حضارات الجزيرة العربية، وعُدت همزة وصل بين الجنوب العربي والمراكز الدينية الكبرى في الحجاز.
المصدر: أخبار 24