عبدالرحمن بسيوني الأمين العام للاتحاد العربي للإعلام التراثي: بيع المباني التراثية تهديد لهوية الشعوب

أكّد عبدالرحمن بسيوني، الأمين العام للاتحاد العربي للإعلام التراثي، أن قضية تملّك القطاع الخاص لبعض المباني والمواقع التاريخية وتحويلها إلى مشاريع تجارية، تمثّل أحد أبرز التحديات التي تواجه صون التراث في الدول العربية، مشددًا على أن الحفاظ على التراث لا يمكن أن يتحقق دون إطار قانوني صارم يوازن بين حق الاستثمار وواجب الحماية، وقال إن التراث، بمختلف أنواعه، هو ملك جماعي للمجتمع، ويجسّد ذاكرة الشعوب وتاريخها وهويتها الثقافية، وبالتالي لا يجوز التعامل معه كسلعة تخضع لآليات السوق فقط.
وأوضح بسيوني أن ظاهرة خصخصة بعض المواقع والمباني التراثية باتت منتشرة في عدد من الدول العربية، حيث يتم بيع بيوت أو قصور تاريخية إلى مستثمرين يقومون بتحويلها إلى مطاعم أو فنادق فاخرة، وغالبًا ما تُجرى تعديلات جوهرية على هذه المعالم، ما يؤدي إلى طمس معالمها الأصلية، وطمس جزء من تاريخها، لافتًا إلى أن هذا النوع من التعدي لا يُفقد المبنى قيمته الجمالية فقط، بل يقطع صلته بالمجتمع المحلي الذي كان يعتبره رمزًا ثقافيًا أو جزءًا من ذاكرته الجمعية.
وأشار إلى أن بعض الدول تفتقر إلى قوانين واضحة تُلزم المستثمرين بالحفاظ على المكونات الأصلية للمباني التراثية أو إشراك الجهات المختصة قبل إجراء أي تعديل، كما أن الرقابة على تنفيذ هذه القوانين، حيث وجدت، تبقى ضعيفة في كثير من الحالات، مما يُفسح المجال أمام استغلال هذه المواقع بشكل لا يتماشى مع الغرض الثقافي والتاريخي الذي تمثلّه.
وشدد بسيوني على ضرورة تصنيف المباني التراثية العامة ضمن الممتلكات غير القابلة للبيع، على أن يتم السماح فقط بعمليات التأجير أو التطوير بالشراكة مع جهات مختصة في الثقافة والآثار، بحيث تظل الهوية المعمارية للموقع محفوظة، ويُستخدم بطريقة لا تتعارض مع قيمته التاريخية، وأضاف أن بعض النماذج العالمية الناجحة في هذا المجال أثبتت أن إشراك المجتمعات المحلية في إدارة المواقع التراثية يحقق حماية فعالة ويحافظ على الطابع الثقافي للمكان مع تحقيق مردود اقتصادي معقول.
ودعا الأمين العام إلى تأسيس صناديق تمويل خاصة بصيانة وتأهيل المباني التراثية، يتم دعمها من القطاعين العام والخاص، وتُدار بشفافية، وذلك لتقليل الحاجة إلى اللجوء لبيع هذه المعالم، كما طالب بإدراج حماية التراث ضمن المناهج التعليمية والإعلام الثقافي، بهدف بناء وعي مجتمعي يحترم القيمة الرمزية لتلك المواقع ويمنع التعدي عليها.
واختتم بسيوني تصريحه بالتأكيد على أن الحفاظ على التراث مسؤولية جماعية تتجاوز المؤسسات الحكومية، وتشمل الإعلاميين، والأكاديميين، والمواطنين، مشيرًا إلى أن الأجيال القادمة تستحق أن تتعرف على تاريخها من خلال شواهد حقيقية قائمة، لا عبر صور في الكتب أو مجسمات بلا حياة.