خالد خليل مؤسس الاتحاد العربي للإعلام التراثي يحذر من “التهديد الوجودي” للتراث العمراني

أطلق خالد خليل، مؤسس الاتحاد العربي للإعلام التراثي، تحذيراً حادّاً بشأن ما وصفه بـ”التهديد الوجودي” الذي يطال التراث العمراني في عدد من المدن العربية، نتيجة التوسع العشوائي والحداثة غير المنضبطة التي تجتاح ملامح الحواضر القديمة.
وقال في تصريح خاص، إن الهوية المعمارية للمدن التاريخية في العالم العربي لم تعد تواجه فقط الإهمال، بل صارت مهددة بالزوال الفعلي تحت وطأة الإسمنت الحديث والجرافات التي تقتلع ما تبقى من الذاكرة البصرية للعرب، مشدداً على أن المدن لا تفقد شكلها فقط، بل تُسلب روحها أيضاً.
أشار خليل إلى أن العاصمة المصرية القاهرة تُعد نموذجاً صارخاً لهذا التحول، إذ باتت مناطقها الإسلامية القديمة، مثل شارع المعزّ وخان الخليلي، تعاني من ضغط عمراني متزايد وتجاوزات بناء شوهت النسيج التاريخي.
وأوضح أن الكثير من البيوت التراثية تهدمت، أو تحولت إلى محال تجارية بأساليب بناء لا تمتّ بأي صلة لطابعها الأصلي، ما يؤدي إلى فقدان المدينة لأصالتها المعمارية تدريجياً.
وأضاف أن بيروت، رغم تاريخها العريق، لم تسلم هي الأخرى من التهميش والإهمال، فالكثير من المباني العثمانية والفرنسية تم هدمها لصالح ناطحات سحاب تفتقر للهوية، رغم ما كان يمكن أن تمثله هذه المباني من عنصر جذب سياحي وثقافي مهم.
ولفت إلى أن المشهد في المدينة العتيقة في تونس العاصمة لا يختلف كثيراً، فرغم تصنيفها كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو، فإنها تواجه تحديات جمّة تتعلق بضعف الصيانة، وعدم وجود تشريعات حازمة تحمي الطابع التاريخي للمعمار.
وأشار إلى أن عددًا من الدور العريقة تحولت إلى منشآت تجارية أو هُجرت، ما جعلها عرضة للتصدع أو الانهيار، وعبّر عن أسفه قائلاً: “نحن نقتل مدننا بأيدينا، ونحوّل الجمال التاريخي إلى أكوام من الإسمنت”.
أما في الجزائر، فقد سلط خليل الضوء على وضع القصبة، معتبراً أن هذه المنطقة التاريخية، التي كانت رمزاً للمقاومة والثقافة، تتعرض اليوم لإهمال خطير، رغم محاولات محدودة من السلطات لترميمها، وأضاف أن غياب الرؤية الشاملة للحفاظ على النسيج العمراني يجعل جهود الترميم مجتزأة وغير قادرة على وقف التدهور المستمر.
ونبّه خليل إلى أن ما يحدث لا يُعد فقط فقداناً لجمال بصري أو تراث معماري، بل هو طمس لذاكرة مجتمعية كاملة عاشت وتفاعلت في هذه المدن، وشدد على أن غياب الإعلام المتخصص في قضايا التراث يعمّق من الجهل المجتمعي بأهمية الحفاظ عليه، مطالباً بدور أكبر لوسائل الإعلام، خاصة البصرية منها، في كشف ما يحدث ونقل الصورة الواقعية لما آل إليه حال المدن القديمة.
واختتم خليل تصريحه بدعوة عاجلة إلى إنشاء هيئة عربية موحدة لحماية التراث العمراني، تضم خبراء في العمارة، والمؤرخين، والإعلاميين، وتكون قادرة على وضع معايير للحفاظ، وتقديم الدعم للدول، وتوثيق ما تبقى من المعالم المهددة، مشيراً إلى أن الحفاظ على التراث ليس ترفاً، بل واجب حضاري يمس الوعي الجمعي للهوية العربية بأكملها.