الدكتور يوسف الكاظم رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي: التراث روح الشعوب وليس وسيلة جذب تجاري فقط

يتّخذ الترويج للتراث العربي في عدد من الدول منحى تصاعديًا يتجاوز حدود التقدير الثقافي إلى حدود التوظيف التجاري، حيث تحوّلت كثير من العناصر التراثية، من الأزياء والعمارة إلى العادات والاحتفالات، إلى ما يشبه “المنتج السياحي”، ما يثير مخاوف حقيقية من تشويه الهوية الثقافية أو إعادة صياغتها بما يتلاءم مع أذواق الزائر الغربي لا مع أصالتها الحقيقية.
ويزداد هذا التحدي حدة مع بروز موجة من المشاريع الاستثمارية السياحية التي تضع التراث في قلب خططها التسويقية، لكنها لا تولي بالضرورة الأهمية نفسها لمبادئ الحفاظ على الموروث أو نقل قيمه بدقة.
وفي ذات السياق، حذّر الدكتور يوسف الكاظم، رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي، من خطورة هذا النهج، مشيرًا إلى أن بعض المشاريع السياحية تستثمر في التراث كمادة ترفيهية، لا كمكوّن ثقافي أصيل.
وقال الدكتور يوسف الكاظم في تصريح خاص إن “التراث ليس وسيلة جذب تجاري فقط، بل هو روح الشعوب، ومتى ما تم العبث به أو تزييفه، تفقد الأمة جزءًا من ذاكرتها الجمعية وهويتها التاريخية”.
وأوضح الكاظم أن الاتحاد رصد العديد من الأنماط السياحية التي تعتمد على تحويل الحرف الشعبية والفلكلور إلى عروض استعراضية منزوعة السياق، تقدم للزوار بأسلوب مفرغ من المعنى، فقط لإشباع الفضول السياحي أو السعي وراء “التجربة الشرقية” النمطية التي تروّج لها بعض وكالات السفر.
وأضاف الكاظم أن الخطورة لا تكمن فقط في تزييف المضمون أو المبالغة في تقديم بعض العناصر، بل في تغييب المجتمع المحلي عن هذه المشاريع، إذ “يتم أحيانًا اختزال التراث في صور فلكلورية مبتذلة، في حين يتم إقصاء حراس التراث الحقيقيين من شيوخ الحرف، ورواة القصص، والحافظين للطقوس القديمة، من المشهد السياحي لصالح عناصر مدرّبة فقط على الأداء، لا على العمق الثقافي”.
وشدد على أن المطلوب اليوم ليس فقط إبراز التراث في المشروعات السياحية، بل تأسيس علاقة احترام متبادل بين الثقافة والمجال الاقتصادي، بحيث تكون السياحة وسيلة لتعزيز التراث لا وسيلة لتشويهه، وقال إن الاتحاد العربي للإعلام التراثي يسعى حاليًا إلى صياغة مدونة أخلاقيات شاملة لضمان التناول الإعلامي والسياحي المسؤول للتراث العربي، وسيتم رفعها إلى الجهات المعنية في الدول الأعضاء، لتكون بمثابة دليل استرشادي للمستثمرين، وصناع المحتوى، والمشتغلين بالإعلام السياحي.
وأشار الدكتور الكاظم إلى أن التراث لا يُختصر في الرقصة أو المعمار القديم فقط، بل يتضمن أنماط تفكير، وتقاليد عيش، ومنظومات قيم، وأن التعامل معه كسيناريو سياحي معزول عن بيئته يُفقده جوهره الأصيل، وأضاف أن المطلوب ليس فقط سرد الحكاية التراثية، بل روايتها من أصحابها الحقيقيين، وفي بيئتها الطبيعية، دون تحوير أو تكييف يُرضي الآخر الغربي على حساب الحقيقة.
واختتم الكاظم تصريحه بالتأكيد على أن هناك نماذج إيجابية بدأت تظهر في بعض الدول العربية، حيث يتم العمل بالتوازي بين الحفاظ على هوية التراث وبين تقديمه للزوار بشكل راقٍ ومسؤول، لكنه شدد على ضرورة أن يصبح هذا النموذج هو القاعدة لا الاستثناء، وأن تتضافر الجهود الرسمية والشعبية والمؤسساتية لتحقيق هذا التوازن الحرج بين الأصالة والجذب السياحي.