الاتحاد العربي للإعلام التراثي ينظم فعالية “الإعلام التراثي ودوره في حماية الحرف التقليدية العربية”

نظم الاتحاد العربي للإعلام التراثي برئاسة الدكتور يوسف الكاظم مؤتمراً افتراضياً عربياً بعنوان “الإعلام التراثي ودوره في حماية الحرف التقليدية العربية”، وأدارته أمينة عبد الواحد عضو مجلس إدارة الاتحاد.
جاءت الفعالية بمشاركة نخبة من الخبراء والإعلاميين من تسع دول عربية، في فعالية هدفت إلى بحث دور الإعلام في صون التراث الثقافي غير المادي وتعزيز الحرف التقليدية التي تواجه خطر الاندثار في المجتمعات العربية.
كما جاء المؤتمر في إطار جهود الاتحاد لترسيخ قيم الأصالة والإبداع في المشهد الإعلامي العربي، وتأكيد أهمية التكامل بين الإعلام والثقافة في حماية الموروث الشعبي والحرف اليدوية التي تمثل ركناً أساسياً من هوية الشعوب، حيث ناقش المشاركون آليات توظيف الإعلام كأداة فعالة للتوعية بأهمية التراث ودعم المبادرات الشبابية في مجالات الصناعات التقليدية.
الدكتور يوسف الكاظم رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي: الإعلام شريك أساسي في حماية الحرف العربية
وأكد الدكتور يوسف الكاظم رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي خلال كلمته أن انعقاد هذا المؤتمر يمثل خطوة جادة نحو تفعيل دور الإعلام في حفظ الموروث العربي، موضحًا أن الحرف التقليدية ليست مجرد نشاط اقتصادي بل ذاكرة الشعوب وصورة لهويتها.
وقال رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي إن الاتحاد يعمل على بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات الإعلامية والثقافية لتعزيز حضور التراث في الخطاب الإعلامي العربي، لأن حماية الحرف تتطلب وعياً مجتمعياً ومساندة إعلامية تضع هذه القضايا في صدارة الاهتمام العام.
وأشار الكاظم إلى أن الاتحاد العربي للإعلام التراثي يسعى منذ تأسيسه إلى ترسيخ قيم الأصالة والإبداع في المشهد الإعلامي، موضحًا أن المؤتمر يأتي ضمن سلسلة مبادرات تهدف إلى تطوير منظومة العمل الإعلامي في مجالات التراث والحرف، وأضاف أن الاتحاد يولي أهمية خاصة للتعاون مع الجهات الرسمية ومراكز البحوث والمنظمات الثقافية لإطلاق برامج تدريبية تستهدف الشباب في مجالات الحرف اليدوية والتغطية الإعلامية المتخصصة، لأن الإعلام القادر على حماية التراث هو إعلام يمتلك رؤية تنموية متكاملة.
وأوضح الكاظم أن الحرف التقليدية تمثل بعدًا اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا في الوقت نفسه، فهي تساهم في خلق فرص عمل وتحافظ على الهوية وتدعم الاقتصاد المحلي في كثير من الدول العربية، لافتا إلة إلى أن الإعلام يستطيع أن يكون أداة فعالة في تسويق المنتجات الحرفية وتعريف الأجيال الجديدة بأهميتها.
وشدد الكاظم على أن غياب الاهتمام الإعلامي بهذا القطاع أدى إلى تراجع قيمته في المجتمعات الحديثة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في أولويات التغطية الإعلامية.
وأوضح الكاظم أن الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة بين الإعلاميين والحرفيين والمؤسسات الثقافية، وقال إن الاتحاد سيواصل العمل على بناء منصات إعلامية متخصصة بالتراث العربي لتوثيق المهن التقليدية وإبراز قيمتها الثقافية.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد إطلاق مبادرات جديدة تستهدف نشر الوعي بأهمية الحرف في تعزيز الانتماء الوطني، ودعا في ختام كلمته إلى توحيد الجهود العربية لحماية الموروث الثقافي الذي يشكل الركيزة الأساسية لهوية الأمة العربية.
خالد خليل: الاتحاد العربي للإعلام التراثي يسعى لصون الموروث العربي المشترك
أكد خالد خليل الأمين العام للاتحاد العربي للإعلام التراثي أن فكرة تأسيس الاتحاد جاءت قبل عامين بهدف إنشاء كيان عربي يعنى بحماية التراث ونقله إلى الأجيال الجديدة من خلال أدوات إعلامية معاصرة، موضحًا أن الاتحاد لم يُنشأ ليكون مجرد منصة لنقل المعلومات، بل ليكون أداة فاعلة لصون الموروث الثقافي وتعزيزه داخل المجتمعات العربية، من خلال مشاريع ميدانية وبرامج إعلامية توثّق الحرف والممارسات التراثية في كل دولة عربية.
وأشار خليل إلى أن الاتحاد يسعى إلى إبراز جماليات التراث العربي من خلال دعم المبادرات التي تسلط الضوء على الحرف التقليدية، مشيرًا إلى أن بعض الحرف التي كادت تختفي مثل حرفة “التلي” تم التعرف عليها مجددًا عبر فعاليات الاتحاد، وهو ما يعكس أهمية الإعلام في إعادة إحياء الموروثات التي تميّز كل مجتمع عربي وتربطه بجذوره التاريخية.
وأوضح خليل أن الاتحاد يعمل على ترسيخ المفهوم التراثي ليس فقط بين المتخصصين والخبراء، بل أيضًا لدى الجمهور العام من خلال نشر ثقافة تقدير الحرفيين وتشجيع الإنتاج التراثي المحلي، مشددًا على أن الحرف التقليدية ليست نشاطًا تجاريًا فحسب، بل هي ذاكرة شعوب وتجسيد لهويتها الثقافية المتوارثة عبر العصور.
وطالب خليل بإنشاء قاعدة بيانات عربية موحدة تضم جميع الحرفيين والمبدعين في مجالات التراث التقليدي في الدول العربية، لتسهيل التواصل والتنسيق بين الجهات العاملة في هذا المجال، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستسهم في حفظ المعرفة التراثية وتبادل الخبرات بين الدول، كما ستوفر أرضية لإطلاق مشاريع إقليمية تدعم الصناعات التراثية وتسهم في خلق فرص عمل جديدة للشباب.
وكشف نائب رئيس الاتحاد أن الخطة المستقبلية تتضمن إطلاق جوائز عربية سنوية لتكريم المبدعين في مجالات الإعلام التراثي والحرف التقليدية، وتشمل الإعلاميين والمؤثرين والحرفيين الذين قدموا مساهمات متميزة في حفظ الموروث العربي، مشيرًا إلى أن هذه الجوائز ستشكل حافزًا جديدًا لتشجيع العمل المشترك بين الأفراد والمؤسسات، وتوسيع نطاق الاهتمام بالتراث ليصل إلى الجمهور العربي في كل مكان.
وأكد خليل في ختام كلمته أن الاتحاد العربي للإعلام التراثي سيواصل العمل على تطوير برامج توثيقية ومبادرات توعوية تعيد الاعتبار للموروث الثقافي العربي، وتربط بين الماضي والحاضر بروح من المسؤولية والانتماء، لأن الحفاظ على التراث ليس ترفًا ثقافيًا، بل واجب وطني يضمن بقاء هوية الأمة العربية في مواجهة العولمة الثقافية المتسارعة.
شريف كامل شاهين: الإعلام التراثي خط الدفاع الأول عن هوية الأمة
وتحدث خلال المؤتمر الدكتور شريف كامل شاهين أستاذ علم المكتبات والمعلومات بجامعة القاهرة وعميد كلية الآداب الأسبق، مستعرضاً تجربته في العمل الأكاديمي والمهني المرتبطة بحفظ الذاكرة الوطنية، وأشار إلى أنه يترأس لجنة “ذاكرة العالم” المنبثقة عن لجنة تكنولوجيا المعلومات التابعة لليونسكو، وهي إحدى أهم اللجان الدولية المعنية بحفظ التراث الوثائقي والرقمي.
وأكد شاهين أن عام 2025 شهد تأسيس أول لجنة إقليمية عربية لبرنامج ذاكرة العالم، لتكون اللجنة الخامسة على مستوى العالم، موضحاً أن هذا الحدث يمثل خطوة تاريخية في مسيرة الوعي العربي بأهمية توثيق التراث، مشيراً إلى أن عمل هذه اللجنة يهدف إلى بناء قاعدة بيانات موحدة للتراث الوثائقي العربي وتطوير أساليب حفظه في ظل التحول الرقمي المتسارع.
واستعرض شاهين بعضاً من مؤلفاته التي تناولت موضوع الذاكرة والتراث، موضحاً أنه يعتز بكتابين من أبرز أعماله هما “مستقبل ذاكرة وطن” و“الدليل العربي لتكامل مؤسسات ذاكرة المجتمعات”، واللذان يناقشان مفهوم الذاكرة الجماعية ودور المؤسسات الثقافية في حفظها.
وأشار إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المثقفين في العالم العربي تكمن في الخلط بين مفاهيم التراث والآثار، موضحاً أن التراث يشمل جوانب ثقافية وطبيعية متكاملة، وأن الإعلام التراثي عليه مسؤولية كبيرة في توضيح هذه الفروق ونشر الوعي بأهمية الحفاظ على التراث بمفهومه الشامل.
وأوضح شاهين أن اتفاقية التراث العالمي تُعد فريدة من نوعها لأنها تجمع بين حماية الطبيعة والحفاظ على المواقع الثقافية في وثيقة واحدة، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية تشدد على دور المجتمعات المحلية في حماية تراثها وتعتبر أداة فعالة لمعالجة قضايا معاصرة مثل التغير المناخي والتوسع العمراني والسياحة الجماهيرية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأكد أن دور الإعلام التراثي لا يقتصر على التوعية فحسب، بل يمتد إلى التحفيز والمشاركة في وضع السياسات الثقافية، معتبراً أن التعاون بين المؤسسات الإعلامية والثقافية هو السبيل الأمثل للحفاظ على هوية الأمة العربية وصون ماضيها من التهميش والضياع.
عاطف نوار: الحرف الشعبية المصرية مصدر قوة وثروة قومية
وتحدث عاطف نوار المدير التنفيذي للأرشيف المصري للمأثورات الشعبية قائلاً إن الحرف الشعبية المصرية تمثل قوة حقيقية ومصدر ثروة قومية ضخمة، موضحًا أن تكلفة بعض الحرف لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، ورغم بساطتها فإنها تملك إمكانات اقتصادية كبيرة إذا تم الاستثمار فيها بالشكل الصحيح.
وأشار نوار إلى أن مصر تمتلك أكثر من ألف حرفة تراثية، موضحًا أن المتحف قام بدراسة 22 حرفة دراسة متعمقة لتوثيقها وإبراز قيمتها الثقافية، ولفت إلى أن الدولة أولت اهتمامًا متزايدًا بهذا المجال من خلال تشكيل لجنة المرأة الحافظة للتراث في المجلس القومي للمرأة، بهدف تطوير وتنمية مئة حرفة شعبية تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز دورها في الحفاظ على الموروث الحرفي.
وأوضح أن اللجنة بدأت بالفعل بتطوير حرفة “التلي” التي تعتمد على قطعة قماش ثلاثية الشكل تُطرز بخيوط الفضة أو الذهب، وهي من أقدم وأجمل الحرف التي تعبر عن التراث المصري الأصيل، مبينًا أن إعادة إحياء هذه المهن تتطلب دعماً إعلامياً ومؤسسياً لتشجيع الشباب على تعلمها وممارستها، مشددًا على ضرورة دمج الحرف التراثية ضمن منظومة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة والحفاظ على هوية المجتمع المصري.
وأكد نوار أن الحرف الشعبية ليست مجرد ماضٍ يُروى، بل هي حاضر يمكن أن يسهم في بناء مستقبل اقتصادي قوي إذا توفرت له الحماية والترويج، داعيًا إلى إطلاق مبادرات إعلامية عربية تسلط الضوء على قصص النجاح في مجالات الحرف اليدوية وتعيد لها مكانتها في الحياة المعاصرة، لأن التراث لا يعيش إلا بالوعي والاهتمام المستمر من كل فئات المجتمع.
جمال القصب: الحفاظ على التراث واجب وطني
كما أكد الباحث في التراث العراقي جمال القصب، أن التراث العراقي يمثل كنزاً من التفاصيل الإنسانية والثقافية التي تعكس هوية المجتمع وعمق انتمائه إلى تاريخه.
وأشار إلى أن الحفاظ على هذا التراث واجب وطني يرتبط بوعي الأجيال بماضيهم وحضارتهم، موضحاً أن العراق يمتلك إرثاً غنياً بالحرف والمهن التقليدية التي شكلت ملامح الحياة الاجتماعية لعقود طويلة.
وتحدث القصب عن السدارة البغدادية باعتبارها إحدى أبرز الرموز التراثية في العراق، إذ تعد من أغطية الرأس التي اشتهر بارتدائها المثقفون والأفندية منذ بدايات القرن العشرين، وسميت بالفيصلية نسبة إلى الملك فيصل الأول الذي كان أول من ارتداها، مبيناً أن السدارة لم تكن مجرد غطاء رأس بل علامة للهيبة والاحترام والانتماء الوطني، حيث حرص الملك الراحل على أن تكون زياً رسمياً يوحد مظهر العراقيين ويعبر عن هويتهم في تلك الحقبة.
وأوضح الباحث أن قصة السدارة بدأت عندما سافر الملك فيصل في عشرينيات القرن الماضي إلى إيطاليا، حيث زار أحد محال الخياطة وطلب منهم تصميم قطعة قماش تأخذ شكلاً هندسياً محدداً بعد كبسها في مكابس خاصة، فكانت النتيجة تصميماً فريداً لفت الأنظار وأصبح علامة مميزة للأناقة العراقية، مشيراً إلى أن الملك عاد إلى بغداد مرتدياً السدارة، وفرض ارتداءها على رئيس الوزراء وأفراد الحكومة لتصبح رمزاً رسمياً للدولة العراقية.
وأشار القصب إلى أن السدارة تنقسم إلى عدة ألوان تتماشى مع ألوان البدلات الرسمية، أبرزها اللون البني والأسود والرصاصي، موضحاً أنها كانت في البداية حكراً على الرجال، لكن في السنوات الأخيرة تبنتها النساء وأدخلن عليها لمسات جمالية تتناسب مع أذواقهن، حتى أصبحت جزءاً من الزي الرسمي لمضيفات الطيران العراقي، ما يعكس قدرتها على التطور والبقاء في قلب المشهد الاجتماعي رغم تغير الأجيال.
وأضاف أن التراث العراقي مليء بالمهن التقليدية التي تحتاج إلى توثيق وحماية من الاندثار، مؤكداً أن الإعلام التراثي يلعب دوراً محورياً في تسليط الضوء على هذه الرموز ونقلها للأجيال القادمة بطريقة تحفظ قيمتها التاريخية والاجتماعية، موضحاً أن مثل هذه المؤتمرات تفتح المجال أمام الباحثين والمهتمين لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون العربي في حماية التراث الثقافي غير المادي.
واختتم القصب حديثه بالتأكيد على أن السدارة البغدادية ليست مجرد قطعة قماش بل رمز للكرامة والهوية، وأن استمرارها حتى اليوم دليل على ارتباط العراقيين بتراثهم وحرصهم على إبقاءه حياً في الوجدان الجمعي.
فايزة رياش: التراث الحرفي الجزائري ركيزة للهوية والتنمية الاقتصادية
وقالت الدكتورة فايزة رياش أستاذة كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، ومنتجة برامج متخصصة في التراث، إن الجزائر تزخر بمواقع أثرية وثقافية غنية تمثل مهدًا للحضارة الإنسانية في شمال إفريقيا، مشيرة إلى أن الرسوم الصخرية في جبال الأطلس الصحراوي توثق بدايات الحرف اليدوية القديمة مثل صناعة الفخار التي ما تزال النسوة يحافظن عليها حتى اليوم، حيث تستمر صناعة الفخار التقليدي والفخار الأسود كأحد أبرز ملامح الهوية الحرفية الجزائرية.
وأضافت أن الجزائر تمتلك تنوعًا واسعًا في الصناعات التقليدية، من بينها حرفة “السلالة” التي تعتمد على نسج السلال باستخدام مواد طبيعية، موضحة أن هذه الحرف تعكس جانبًا من التفاعل بين الإنسان والبيئة المحلية منذ القدم.
وأشارت إلى أن الإعلام يسهم من خلال برامجه المتخصصة في توثيق هذه المهن ونقلها إلى العالم العربي، مؤكدة أن فريقها الإعلامي تمكن من توثيق عدد كبير من المواقع التي تحكي قصة الحرف اليدوية عبر العصور.
وأوضحت رياش أن العديد من الحرف التقليدية القديمة اندثرت بمرور الوقت مثل صناعة الأواني الخشبية والصحون التقليدية بسبب ضعف الدعم وقلة الترويج، في حين ما تزال حرفة الجلود حاضرة بقوة في المشهد الحرفي الجزائري، إذ تسعى الدولة إلى دعم الصناعات المحلية وتشجيع الحرفيين على تطوير أدواتهم بما يحافظ على الأصالة ويواكب الحداثة في آن واحد.
وتطرقت إلى حرفة قديمة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بثقافة الفروسية الجزائرية وهي صناعة السروج التقليدية في مدينة تلمسان، مؤكدة أن هذه الحرفة تمثل رمزًا للفروسية والشهامة وتعد جزءًا من التراث غير المادي الذي يجب صونه وتطويره، مشيرة إلى أن الإعلام يلعب دورًا حاسمًا في إبراز هذه الحرف وتسليط الضوء على قيمتها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال البرامج الوثائقية والحملات الإعلامية الموجهة لدعم الحرفيين وتشجيعهم على تسويق منتجاتهم داخل الجزائر وخارجها.
وأكدت رياش أن الحفاظ على الحرف التقليدية لا يعني فقط صون الماضي، بل الاستثمار في الحاضر والمستقبل عبر ربط هذه المهن بالاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة للشباب، داعية إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية والثقافية لتحقيق هذا الهدف، لأن التراث هو الذاكرة الحية للأمم ومرآة تعكس تاريخها ووجدانها الجمعي.
عمر النور: التراث السوداني يجسد العزة والانتماء الوطني
وقال الفريق عمر النور مدير المتحف الحربي في السودان إن مثل هذه المؤتمرات تتيح تبادل الخبرات وتعرف الشعوب العربية على ثراء التراث العربي الأصيل، موضحا أن السودان يمتلك تراثاً متنوعاً يضم الجوانب المادية والمعنوية المستمدة من ثقافة المجتمع السوداني.
وأشار النور إلى أن التراث الشعبي في السودان متصل بالتراث الحربي الذي يعكس قيم الشجاعة والانتماء، وهو إرث متجذر في وجدان الشعب عبر أجياله المختلفة.
وأضاف النور أن العادات والتقاليد السودانية تظهر بوضوح في المناسبات الاجتماعية وخاصة في الأفراح، حيث يحمل الشباب السيوف والعصي تعبيراً عن الفخر والرجولة، وهي ممارسات مستوحاة من الموروث الشعبي الذي تعرض لبعض التطوير مع مرور الزمن لكنه ظل محتفظاً بجوهره الأصيل، مؤكداً أن القوات المسلحة السودانية تفتخر بهذا التراث الذي يعكس عمق الانتماء الوطني ويجسد روح العزة لدى أبناء السودان.
أحمد منيب: الحرف التراثية العربية تحتاج إلى دعم منظم لإحيائها
وأكد الدكتور أحمد منيب نائب رئيس جمعية إحياء التراث المصري أن إحياء الحرف التقليدية ليس عملاً تراثيًا فقط، بل مشروع وطني يرسخ هوية المجتمع ويعيد الاعتبار إلى العمال المهرة الذين حفظوا الموروث الشعبي بأيديهم، موضحًا أن هذه الحرف تحتاج إلى دعم مباشر من المؤسسات والهيئات المحلية والعربية من أجل إنقاذها من الاندثار، لأن كثيرًا منها أصبح مهددًا بالتراجع في ظل التطور الصناعي السريع وقلة الاهتمام بالتدريب الحرفي.
وأشار منيب إلى أن الحرف التقليدية مثل صناعة الفخار والنجارة والتطريز تمثل جزءًا أصيلًا من الهوية العربية، فهي موجودة في دول مثل العراق وتونس والجزائر وليبيا ومصر، حيث تتشابه الأدوات والأساليب رغم اختلاف البيئات، مؤكدًا أن هذه التشابهات تبرهن على وحدة الموروث الثقافي العربي الذي يجمع الأمة عبر قيم العمل اليدوي والإبداع الفني.
وأوضح أن الحرف التقليدية تحتاج إلى مبادرات واقعية لإعادة تنشيطها، سواء عبر إقامة معارض للحرفيين أو إطلاق منصات رقمية تسوق منتجاتهم إلى الأسواق العالمية، مشيرًا إلى أن بعض الدول بدأت بالفعل في دعم تلك الصناعات مثل تجربة “سوق واقف” في قطر، الذي يحتضن الحرفيات اللواتي ينتجن مشغولات تقليدية مستوحاة من التراث المحلي، إلى جانب مناطق عربية أخرى مثل جبل عمور في الجزائر الذي تشتهر فيه حرفة الزرابي، وهي صناعة يدوية دقيقة تعكس مهارة النساء في تصميم النسيج التراثي.
وبيّن منيب أن كثيرًا من العائلات العربية ما زالت تحتفظ بأسرار بعض الحرف القديمة التي توارثتها جيلًا بعد جيل، مثل صناعة الخيام والنقوش اليدوية وأعمال النحاس والخزف، مؤكدًا أن الحفاظ على هذه الحرف يعني الحفاظ على الذاكرة التاريخية للشعوب، لأنها تعكس أسلوب الحياة القديم الذي شكّل ثقافة المجتمع ومظاهر احتفالاته وعاداته اليومية.
ودعا منيب إلى ضرورة توظيف الإعلام التراثي في توثيق هذه الحرف وتسليط الضوء على قصص الحرفيين الذين يمثلون الرابط الحي بين الماضي والحاضر، مشددًا على أن الإعلام يستطيع أن يعيد لهذه المهن قيمتها الاجتماعية من خلال البرامج الوثائقية والتغطيات الميدانية، وهو ما يسهم في خلق وعي عام بأهمية التراث المادي واللامادي في تحقيق التنمية الثقافية والاقتصادية المستدامة داخل الوطن العربي.