الخميس 1447/04/10هـ (02-10-2025م)
التراث المادي (الآثار)قطاعات التراث

اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية في الجزيرة العربية

أعلن وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة التراث في المملكة العربية السعودية الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان عن اكتشاف أثري يعد الأهم من نوعه في الجزيرة العربية، إذ كشف فريق مشترك من الهيئة وجامعة كانازاوا اليابانية عن مستوطنة بشرية تعود إلى أكثر من 11 ألف عام في موقع “مصيون” شمال غرب مدينة تبوك، لتؤكد نتائج التنقيب أن المنطقة لم تكن مجرد ممر عابر بل موطناً للاستقرار المبكر خلال العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، حيث تركزت ملامح الحياة على الصيد وزراعة الحبوب.

أظهرت أعمال التنقيب التي انطلقت منذ ديسمبر 2022 واستمرت عبر أربعة مواسم ميدانية حتى مايو 2024 وجود وحدات معمارية شبه دائرية بنيت بأحجار جرانيتية محلية، ضمت مباني سكنية ومخازن وممرات ومواقد.

وقد عكست هذه المنشآت تنظيماً وظيفياً متقدماً يعكس وعي الإنسان بمتطلبات الحياة اليومية، كما عُثر على أدوات حجرية مثل رؤوس سهام وسكاكين ومطاحن يرجح استخدامها في تجهيز الحبوب، إلى جانب أدوات زينة مصنوعة من أحجار الكوارترز والأمازونيت والأصداف، وهو ما يؤكد نشاطاً إنتاجياً متنوعاً داخل المستوطنة.

تواصلت الاكتشافات لتشمل بقايا بشرية نادرة وعظام حيوانات وقرون ثيران وقطعاً حجرية مزخرفة بخطوط هندسية تحمل دلالات رمزية، الأمر الذي يفتح المجال أمام الباحثين لفهم أعمق للحياة الاجتماعية والدينية في تلك المرحلة، ويشير إلى أن سكان “مصيون” مارسوا أنشطة معيشية متكاملة تتجاوز حدود البقاء، وصولاً إلى أشكال من التعبير الفني والرمزي.

أكدت هيئة التراث أن هذا الاكتشاف يمثل منعطفاً علمياً في دراسة الاستيطان البشري بشمال غرب المملكة، حيث يثبت أن المنطقة كانت امتداداً طبيعياً لمراكز الهلال الخصيب التي شملت بلاد الشام وبلاد الرافدين وجنوب الأناضول، وهو ما يعزز فرضية أن الجزيرة العربية لم تكن معزولة عن المحيط الحضاري، بل كانت جزءاً من شبكة التفاعلات المبكرة التي قادت إلى تحول الإنسان من الترحال إلى الاستقرار.

صرح الدكتور خالد الأسمري مستشار هيئة التراث أن موقع “مصيون” يقدم أقدم دليل مباشر على الاستقرار البشري في الجزيرة العربية، مضيفاً أن الأدوات المكتشفة مثل رؤوس السهام والرماح والمكاشط والمدقات تشير بوضوح إلى ممارسة الزراعة وصيد الحيوانات، ما يؤكد أن العصر الحجري الحديث شهد بداية استئناس الحيوان واستقرار الإنسان في المنطقة، وأن المملكة تمتد جذورها الحضارية إلى أزمنة سحيقة لم تكن منفصلة عن محيطها الإقليمي.

المصدر: أخبار 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار