الدكتور يوسف الكاظم رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي: التراث الشعبي العربي يتآكل تحت وطأة الرقمنة المتسارعة

حذر الدكتور يوسف الكاظم، رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي، من التهديدات المتزايدة التي تواجه التراث الشعبي العربي في ظل تصاعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والنمط الثقافي الغربي، مشددًا على أن الرقمنة، على الرغم من فرصها الكبيرة، باتت تساهم في تآكل الموروثات الشفهية مثل الأغاني والأمثال والحكايات الشعبية التي طالما شكلت ذاكرة المجتمعات العربية وعمقها الثقافي.
وأوضح الكاظم أن التحولات الرقمية فرضت نمطًا جديدًا من التلقي الثقافي، يقوم على السرعة والتفاعل اللحظي، وهو ما يتناقض مع طبيعة التراث الشعبي القائم على التراكم والزمن والتناقل الشفهي من جيل إلى جيل، وأضاف أن الكثير من الشباب أصبحوا أكثر انجذابًا للمحتوى البصري السريع القادم من ثقافات أخرى، في مقابل تراجع اهتمامهم بالمرويات التقليدية التي تشكل جزءًا أصيلًا من الهوية المحلية، ما يجعل هذا النوع من التراث مهددًا بالتلاشي.
وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، رغم ما تقدمه من فرص هائلة للنشر والتوثيق، تحوّلت في الوقت نفسه إلى أداة تسريع لذوبان الخصوصيات الثقافية، إذ يتم تداول محتوى هجين يمزج بين مفردات محلية وأخرى مستوردة، وهو ما يخلق ما يمكن وصفه بـ”الانفصام الثقافي”، حيث تبدأ الأجيال الجديدة في فقدان قدرتها على فهم أو تذوق الفنون الشعبية أو الأمثال المتوارثة أو حتى القصص التراثية التي كانت تُروى في الجلسات العائلية أو المجتمعية.
وشدد الكاظم على أن التحدي الأكبر يكمن في غياب آليات فعالة ومؤسسات متخصصة تقوم بجمع هذا التراث وتوثيقه بأساليب تواكب العصر الرقمي، دون الإخلال بجوهره، ودعا في هذا السياق إلى تعاون حقيقي بين الجهات الثقافية والإعلامية والتعليمية، من أجل بناء مكتبة رقمية موحدة للتراث الشعبي العربي تشمل الصوتيات والمرئيات والنصوص، وتتيح للجمهور التفاعل معها بلغات العصر، بما يحافظ على جوهر هذا التراث، ويجعله في متناول الأجيال الجديدة.
كما نوّه إلى أن بعض التجارب الفردية نجحت في تقديم عناصر من التراث الشعبي في قوالب معاصرة مثل البودكاست أو الرسوم المتحركة أو حتى مقاطع الفيديو القصيرة، وهو ما يؤكد إمكانية حماية هذا الإرث إذا ما توفر الدعم المؤسسي والخطة الشاملة لذلك.
وأكد أن الحفاظ على التراث الشعبي لا يعني تجميده، بل إعادة تقديمه بطريقة تواكب الذوق العصري، وتحافظ في الوقت نفسه على القيم والمعاني التي تشكلت عبر قرون من التفاعل المجتمعي.
وختم الكاظم تصريحه بالتأكيد على أن المعركة الحقيقية ليست فقط ضد النسيان، بل ضد التغريب الثقافي الذي يتم تسويقه من خلال خوارزميات لا تُفرّق بين ما هو تجاري وما هو حضاري، داعيًا إلى وضع استراتيجية عربية شاملة لحماية التراث الشعبي من التآكل والانحسار، وجعله جزءًا حيًا من الحاضر والمستقبل العربي.