خالد خليل مؤسس الاتحاد العربي للإعلام التراثي: لهجات العرب تنبض بالحياة وتحفظ جذر اللغة الخالد

أكد خالد خليل، مؤسس الاتحاد العربي للإعلام التراثي، أن اللهجات الشعبية في مختلف الدول العربية ليست مجرد أدوات محكية للتواصل اليومي، بل هي مرآة حقيقية تعكس غنى اللغة العربية وأصالتها وامتدادها التاريخي، مشددًا على أن هذه اللهجات تمثل مخزونًا تراثيًا حيًا يتضمن كلمات وتعابير متجذرة في الفصحى، حملتها الشعوب عبر القرون، وأضافت إليها من خصوصيات الجغرافيا والبيئة والتقاليد المحلية ما جعلها تنطق بهوية كل منطقة وتعبّر عن ذاكرتها الجماعية.
وقال في تصريح خاص إن اللغة العربية ليست فقط ما ندرسه في القواعد والمعاجم، بل هي أيضًا ما نعيشه في الحوارات اليومية، وما نسمعه في الأسواق والأمثال والأهازيج الشعبية.
وأوضح خليل أن دراسة اللهجات المحلية تكشف عن وجود آلاف الكلمات التي تعود جذورها إلى الفصحى، وإن بدت أحيانًا مختلفة في النطق أو الاستخدام، لكنها من حيث الأصل اللغوي تظل منتمية إلى ذات الشجرة الأم، مبينًا أن كثيرًا من المفردات التي تُعد اليوم “عامية” هي في حقيقتها ألفاظ فصيحة وردت في الشعر الجاهلي والقرآن الكريم والنصوص القديمة، غير أن الاستخدام المتوارث والمحلي قد منحها طابعًا مختلفًا وجعلها مرتبطة بسياقات ثقافية معينة، ما يضفي عليها طابعًا شعبيًا دون أن يفرّط بأصالتها اللغوية.
وأشار إلى أن تأثير البيئة والموقع الجغرافي في تشكيل اللهجات لا يمكن إنكاره، فلهجة أهل الصحراء مثلًا تميل إلى الإيجاز والسرعة نتيجة ظروف الحياة القاسية، بينما تأخذ لهجات المدن الساحلية نبرة رخيمة مليئة بالمفردات الأجنبية بسبب التبادل التجاري والتواصل البحري، وهكذا تختلف اللهجات بين الجبال والسواحل والبوادي لكنها تتفق جميعًا في كونها امتدادات طبيعية للغة الأم التي تطورت وتكيفت مع حياة الناس عبر الزمن.
وأضاف أن ارتباط اللهجة بالتاريخ المحلي يجعل منها مصدرًا غنيًا للباحثين في الثقافة والأنثروبولوجيا واللسانيات، بل وأداة لفهم المجتمعات من الداخل من خلال طريقة تعبيرها عن ذاتها.
وشدد خليل على ضرورة توثيق اللهجات الشعبية بكل تنوعها، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التراث العربي غير المادي، داعيًا إلى إنشاء أرشيف لغوي صوتي يجمع تسجيلات من مختلف اللهجات في العالم العربي، وتوظيفها في الإعلام والإنتاج الفني والتعليمي، بما يسهم في حفظها من الاندثار، ويمنحها مكانة مستحقة ضمن المشهد الثقافي العام.
كما أكد أن الاتحاد العربي للإعلام التراثي يعمل على إطلاق مبادرات بحثية وميدانية في هذا الإطار، بالتعاون مع جامعات ومراكز لغوية في عدة دول عربية.
وفي ختام تصريحه، قال خالد خليل إن اللهجات الشعبية ليست نقيضًا للفصحى، بل هي روحها اليومية المتجددة، وهي ما يجعل اللغة العربية لغة حيّة قادرة على التكيف، والتجدد، والبقاء، مشيرًا إلى أن حماية اللهجات هو في جوهره دفاع عن عمقنا الثقافي واللغوي الممتد في الزمان والمكان.