حطام الغواصات في تونس.. تراث مغمور منسي

صدر حديثًا باللغة الفرنسية كتاب علمي وثقافي يحمل عنوان “حطام الغواصات في تونس: تراث مغمور منسي”، من تأليف محمد مهدي طباخ وكمال القروي، بدعم من المخرج الفرنسي روني هوزي، حيث يتناول هذا الإصدار غير المسبوق واحدة من أبرز القضايا المهملة في السواحل التونسية، وهي قضية الحطام البحري الناتج عن المعارك التي شهدها مضيق صقلية، خاصة خلال الحربين العالميتين، ويعرض توثيقًا دقيقًا لحطام عشرات الغواصات التي غرقت قبالة السواحل التونسية بفعل المواجهات أو الغرق المتعمد، ما يشكل إرثًا بحريًا منسيًا يزخر بالقيمة التاريخية والعلمية.
اعتمد المؤلفان على مصادر متعددة لرصد وتوثيق الغواصات الغارقة، شملت الأرشيفات العسكرية، الصور تحت المائية، المسح الجغرافي، إلى جانب الاستكشاف الميداني.
وجرى تصنيف الحطام البحري بحسب الدول التي تعود لها الغواصات، والتي شملت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ليشكّل ذلك خريطة دقيقة للموقع الجغرافي والتاريخي لهذه القطع الغارقة، ويكشف عن الدور الذي لعبته تونس كمسرح بحري للصراعات الكبرى في القرن العشرين.
وركّز الكتاب على أهمية مضيق صقلية كنقطة استراتيجية تربط شمال إفريقيا بجنوب أوروبا، واستعرض الخلفية الجيوسياسية التي جعلت من هذه المنطقة ساحة اشتباك دائم، حيث دارت بها معارك بحرية كثيفة بين الأساطيل المتنازعة، وقدم تحليلًا شاملًا لطبيعة هذه الصراعات وأثرها في تشكل خريطة الحطام البحري قبالة السواحل التونسية، كما قدّم تصنيفًا علميًا لحالة الحطام المستقر في قاع البحر وخصائصه الفيزيائية.
طرح المؤلفان رؤية مستقبلية تقوم على استثمار هذا التراث الغارق في إحياء السياحة المستدامة، وخاصة سياحة الغوص، مع دعوة لتوظيفه في مجالات التعليم والثقافة والبحث البيئي، وشدّدا على أهمية إدماج هذا النوع من التراث في المناهج التربوية، لما له من قدرة على تعزيز الوعي البيئي والمعرفي لدى الأجيال الجديدة، واقترحا إنشاء مراكز تفسيرية في المناطق الساحلية، إلى جانب إنتاج أفلام وثائقية تسلط الضوء على هذا التراث غير المرئي.
توزع محتوى الكتاب على خمسة محاور، شمل أولها التحليل الاستراتيجي لتاريخ مضيق صقلية، ثم جردًا تاريخيًا للغواصات المنتشلة، إضافة إلى توثيق علمي للحطام الموجود، وتحليل جيوسياسي مقارن للتراث البحري، وانتهى الكتاب بمقترحات تقنية وعلمية لحفظ هذا الإرث، وتحويله إلى مورد ثقافي مستدام يخدم السياحة والبحث العلمي.
حذّر الكاتبان من المخاطر التي تواجه هذا التراث، أبرزها الإهمال، الغموض القانوني، والاعتداءات البشرية، ودعوا إلى سن تشريعات وطنية ودولية لحمايته، مؤكدين ضرورة التنسيق مع المنظمات الدولية ذات الصلة. ويمتلك محمد مهدي طباخ خلفية في الغوص والكتابة المتخصصة، بينما يعمل كمال القروي أستاذًا في الذكاء الاصطناعي وناشطًا بيئيًا، وقد شكّلا معًا تجربة علمية وثقافية تُعيد لبحر تونس صوته المنسي.
المصدر: middle-east-online