الأثنين 1447/01/12هـ (07-07-2025م)
التراث الثقافي غير الماديقطاعات التراث

تراث فلسطين يواجه الاحتلال بثقافة الحياة والتوثيق الفني

تقود وزارة الثقافة الفلسطينية جهودًا حثيثة لحماية الموروث الثقافي الفلسطيني في مواجهة محاولات الاحتلال طمس الهوية الوطنية، ومحو الذاكرة الجمعية التي تجسّدها الأعمال الفنية، والحرف التقليدية، والطقوس الاجتماعية المتوارثة، حيث تتعدد المشاريع التي أطلقتها الوزارة في السنوات الأخيرة من أجل صون هذا التراث الغني، ونقله إلى الأجيال القادمة، في رسالة تؤكد أن الثقافة الفلسطينية باقية وممتدة، رغم كل الظروف والتحديات السياسية والأمنية.

وتبرز مبادرة “هيا نغني”، التي تنفذها الفنانة إسراء داود في شمال غزة، كأحد أبرز المشاريع الثقافية التي تموّلها الوزارة عبر الصندوق الثقافي الفلسطيني ضمن الدورة الاستثنائية لعام 2025، إذ تسعى هذه المبادرة لدعم الأطفال الذين تأثروا بالحرب من خلال الموسيقى، حيث يجري تدريب الأطفال على كتابة وتلحين أغانٍ خاصة بهم تعبّر عن حقوقهم المسلوبة، مستخدمين ألحانًا من التراث الغنائي الفلسطيني، ما يعزز ارتباطهم بهويتهم ويمنحهم وسيلة سلمية للتعبير عن الألم والرجاء، كما يشكّل هذا المشروع تفاعلًا ثقافيًا حيًا مع جيل الناشئة، ويعيد إنتاج التراث ضمن سياقات جديدة تعزز الحضور الوطني رغم المعاناة.

وفي مجال الفنون التشكيلية، شهد العام الجاري دعم معرض فني تشكيلي بعنوان “الصورة في عالم موازٍ”، يشارك فيه الفنان محمود حامد بمشروع يستعرض تجربة الأسر والعزل الانفرادي في سجون الاحتلال، بينما تشارك الفنانة أفياء النواصرة بمشروع فني آخر بعنوان “غطاء النوم”، يقدّم قراءة فنية حديثة لجسد الشهيد الفلسطيني، ويهدف هذا المعرض المشترك إلى تسليط الضوء على قضايا الاعتقال والحرمان، من خلال لغة الفن المعاصر التي تحمل أبعادًا رمزية وإنسانية عميقة.

ومن بين المشاريع اللافتة أيضًا، يبرز مشروع “قصص الشهداء” للكاتب عبدالكريم هنا، والذي يوثق فيه تفاصيل الحياة الإنسانية لشهداء غزة، مركّزًا على أحلامهم، وملامح شخصيتهم، وسياقهم الاجتماعي، ضمن عمل بحثي متقن يخدم الأكاديميين والكتّاب والمؤسسات الإعلامية، ويساهم في بناء أرشيف إنساني متكامل ينقل الرواية الفلسطينية للعالم، ويؤكد أن كل شهيد كان إنسانًا ذا حياة وتفاصيل، لا مجرد رقم في خبر أو بيان.

وعلى صعيد الجهود المؤسسية لحماية الموروث الثقافي، نجحت وزارة الثقافة الفلسطينية في تسجيل الصابون النابلسي على قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، كما أدرجت الكوفية الفلسطينية على لائحة التراث اللامادي الخاصة بمنظمة الإيسيسكو، في خطوات مهمة تحفظ رموزًا من الهوية الوطنية من الاندثار، وتمنحها اعترافًا دوليًا بأهميتها التاريخية والرمزية.

وفي نفس السياق، تم تنظيم عشرات الأنشطة الثقافية في عام 2024، أبرزها إحياء يوم التراث الفلسطيني في مختلف محافظات الوطن، وإقامة احتفالية بيوم التطريز الفلسطيني، إلى جانب صدور مرسوم رئاسي يُقرّ نشر اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، ما يعكس التزامًا رسميًا بحماية هذا الموروث في أطر قانونية وثقافية معترف بها دوليًا.

كما شملت جهود الوزارة تنظيم 35 دورة تدريبية في مجال الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، استفاد منها أكثر من 240 مشاركًا، بما يعزز مهارات الشباب والنساء في مجالات تعكس الروح الفلسطينية القديمة، وتزامنت هذه المبادرات مع مشاركة الوزارة في تنظيم مهرجان القدس السينمائي الدولي، وتقديم عروض ثقافية في ذكرى النكبة، بالتعاون مع مؤسسات محلية تسعى جميعها لحفظ الذاكرة الفلسطينية الجمعية من التشويه والنسيان.

المصدر: الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى